رؤية المملكة 2030 والطموح نحو الريادة الاقتصادية العالمية
تمثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 خارطة طريق طموحة تهدف إلى بناء مستقبل مزدهر ومستدام، يعكس مكانة المملكة الإقليمية والدولية، ومن بين أهم أهدافها الاقتصادية يبرز هدف ارتفاع حجم الاقتصاد السعودي وانتقاله من المرتبة التاسعة عشرة إلى المراتب الخمس عشرة الأولى عالميًا، وهو هدف استراتيجي يعبر عن طموح المملكة في تنويع مصادر الدخل، وتعزيز الإنتاجية، وجذب الاستثمارات، وتحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات.
ويعد تحقيق هذا الهدف خطوة محورية نحو تعزيز مكانة المملكة كقوة اقتصادية عالمية، فالرؤية ركزت على تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل من خلال دعم قطاعات واعدة مثل الصناعة، والسياحة، والتقنية، والخدمات اللوجستية، والطاقة المتجددة، وقد أسهمت برامج التحول الوطني، وبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (ندلب)، ومبادرات الاستثمار في البنية التحتية والرقمنة في رفع كفاءة الأداء الاقتصادي وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.
وعلى أرض الواقع شهد الاقتصاد السعودي تقدمًا ملموسًا خلال السنوات الأخيرة، حيث حقق نموًا ملحوظًا في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت مساهمة القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني، كما ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعززت الثقة العالمية في الاقتصاد السعودي، وهو ما تؤكده تقارير المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين. ووفقًا لأحدث التقديرات لعام 2025 بلغ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نحو (1.1) تريليون دولار أمريكي محتلةً بذلك المرتبة التاسعة عشرة عالميًا من حيث الحجم الاسمي للاقتصاد، وهو ما يعكس استمرار المملكة في مسار تصاعدي واضح نحو تحقيق هدفها بالوصول إلى المراتب الخمس عشرة الأولى بحلول عام 2030. ورغم بقاء الترتيب العالمي عند المستوى نفسه تقريبًا خلال العامين الماضيين، فإن القيمة الفعلية للاقتصاد السعودي قد نمت بصورة ملحوظة، حيث توسعت القاعدة الإنتاجية، وارتفعت معدلات التنويع الاقتصادي، مما يدل على تقدم حقيقي في البنية الاقتصادية الداخلية حتى وإن لم يظهر ذلك بعد في ترتيب الدول عالميًا، إذ يعتمد التصنيف على المقارنة النسبية بين الاقتصادات الكبرى التي تنمو بوتيرة متقاربة.
من وجهة نظري فإن تحقيق هذا الهدف الطموح لا يقتصر على الجهود الحكومية فحسب، بل يتطلب تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال بين الشباب السعودي، إن الاستثمار في رأس المال البشري وتطوير الكفاءات الوطنية يمثلان الأساس الحقيقي للنمو المستدام، فالموارد البشرية الواعية والمدربة قادرة على قيادة الاقتصاد نحو مزيد من التنافسية العالمية، كما أن دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة يمثل ركيزة أساسية لتوسيع القاعدة الإنتاجية وتحفيز سوق العمل.
وأرى أيضًا أن التنوع الاقتصادي لا يعني فقط تنويع مصادر الدخل، بل يعني بناء اقتصاد معرفي يعتمد على البحث والتطوير والتقنيات الحديثة، لذلك يجب مواصلة الجهود لربط التعليم بسوق العمل، وتحفيز الابتكار في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتقنيات المالية، ومن المهم كذلك تعزيز بيئة الأعمال من خلال تبسيط الإجراءات، وضمان الشفافية، وتحفيز الاستثمارات النوعية التي تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد.
أما فيما يتعلق بدور الوزارات فقد كان لكل جهة دور تكاملي في تحقيق هذا الهدف، فوزارة الاقتصاد والتخطيط تولت وضع السياسات الاقتصادية وتقييم الأداء، ووزارة الاستثمار ركزت على جذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين البيئة الاستثمارية، ووزارة الصناعة والثروة المعدنية عملت على تنمية الصناعات التحويلية وتعزيز المحتوى المحلي، في حين أسهمت وزارة الطاقة في تطوير مشاريع الطاقة المتجددة التي تخفف من الاعتماد على النفط، وساعدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في تمكين الكوادر الوطنية وتأهيلها لسوق العمل الجديد، هذا التكامل بين الوزارات يعكس فهمًا عميقًا لأهمية العمل المنسق لتحقيق التنمية الشاملة.
ختامًا يمكن القول إن المملكة تسير بخطى واثقة نحو تحقيق هدفها بالوصول إلى المراتب الخمس عشرة الأولى في الاقتصاد العالمي، وما تحقق حتى الآن من إنجازات يؤكد أن الرؤية ليست مجرد حلم بل خطة عملية مبنية على سياسات واضحة وإرادة قوية، ومع استمرار العمل بروح التعاون والتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع والقطاع الخاص فإن الوصول إلى هذا الهدف بات أقرب من أي وقت مضى، مما سيجعل المملكة نموذجًا عالميًا في النمو الاقتصادي المستدام والتحول الشامل.
بقلم/ د. ماجد بن ثامر آل سعود