المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 10 أكتوبر 2025
حامد محمد الطلحي الهذلي
حامد محمد الطلحي الهذلي

أقول لك شيئًا… بس لا تعلم أحد



في كل بيتٍ ومجلسٍ وعلاقةٍ، تتردد الجملة ذاتها

«أقول لك شيئًا
بس لا تعلم أحد!»

عبارةٌ تُقال همسًا، يسبقها التردد ويتبعها الفضول، وكأنها مفتاح لبابٍ من الأسرار. ولكن ما يلبث السرّ أن يتسلل كالماء بين الأصابع، فتتبدّد الأمانة، وتتحول الثقة إلى رماد

خيانة اللسان
كم من علاقةٍ تهاوت، وصداقةٍ انكسرت، وزوجيةٍ تزعزعت، بسبب لسانٍ لم يعرف الصون، وحديثٍ خرج في لحظة غفلةٍ فهدم جدارًا من الثقة بُني على مدى سنين.

قال الله تعالى:
﴿وَأَوفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ (الإسراء: 34)

ومن أفشى السرّ، فقد خان العهد الذي استُؤمن عليه.
وقال رسول الله ﷺ:

إذا حدَّثَ الرجلُ الحديثَ ثم التفتَ فهي أمانة»
أي إن الالتفات إشارة إلى الخصوصية، فلا يجوز نشر ما يُقال في ثقةٍ وسكون.

الأمانة خُلقٌ لا ادّعاء
السرّ وديعة، ومن أفشاه فقد خان المروءة. قال أحد الحكماء:
السرّ في صدرك أسيرك، فإن خرج صار أسيرَ غيرك.

وقال الشاعر:
إذا ضاق صدرُ المرءِ عن سرِّ نفسِهِ
فصدرُ الذي يُستودعُ السرَّ أضيقُ

ظاهرة اجتماعية تتفشّى
كثيرون يطلبون الكتمان، لكنهم أول من يذيعونه!
يقول أحدهم لصاحبه: «لا تعلم أحد»، ثم يروي القصة لآخر ويختمها بنفس الوصية!
وهكذا يدور السرّ في حلقاتٍ من الخيانة الصامتة، حتى يفقد قيمته ويتحوّل إلى حكايةٍ عامة في المجالس

هذا التناقض يُضعف الثقة ويزرع الريبة بين الناس، ويجعل الكلمة أداة هدمٍ بدل أن تكون جسر تواصلٍ وأمان

كلمة أخيرة
قبل أن تقول: «بس لا تعلم أحد» اسأل نفسك: هل أنت أول من كتم؟ وهل أنت أهلٌ للأمانة التي تطلبها من غيرك؟
فإفشاء الأسرار لا يُظهر ذكاءً، بل يكشف ضعف وفاءٍ وخفّة عقل
استر يُستَر عليك، وأمسك لسانك تُصَن هيبتك

فالكلمة إذا خرجت من فم صاحبها لا تُسترد، لكنها قد تعود عليه بندمٍ لا يُجدي بعد فوات الأوان

بقلم: المستشار الإعلامي
حامد محمد الطلحي الهذلي
صحيفة غرب الإخبارية
قسم المقالات الفكرية والاجتماعية
 0  0  3.1K