صديقُ الكل ليس صديقًا لأحد
حين يصبح التلوّن سلوكًا اجتماعيًا يفقد العلاقات معناها
في زمنٍ تداخلت فيه العلاقات وتاهت فيه الملامح بين الصدق والمجاملة برزت ظاهرة "الصديق الشامل" الذي يسعى لأن يكون قريبًا من الجميع، ومحبوبًا عند الجميع، حتى غدا لا يُعرَف له وجهٌ حقيقي ولا موقفٌ ثابت
ذلك الذي يبتسم في كل مجلس ويصافح كل يد ويُجامل كل رأي يظن أنه يحسن صنعًا وهو في الحقيقة يفرّغ الصداقة من معناها ويحوّلها إلى علاقةٍ سطحيةٍ لا دفء فيها ولا وفاء
فالصداقة ليست استعراضًا اجتماعيًا ولا توازنًا على حبل الرضا بين الأطراف
بل هي ميثاق صدق وشراكة في المواقف قبل المشاعر
قال الله تعالى:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]
إشارة بليغة إلى أن الصداقة الحقيقية تقوم على التقوى والصدق لا على المصالح العابرة
وكم رأينا من أشخاصٍ يلوّحون للجميع بعبارة "أنتم أصدقائي" ولكن حين تأتي المواقف الحقيقية يصمتون أو ينسحبون فلا يُعرف لهم أثر.
إن المواقف هي التي تُغربل العلاقات فالصديق الحق يُعرف حين يعلو صوت الحق، لا حين تُوزَّع الابتسامات
وقال النبي ﷺ:
المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالِل» [رواه أبو داود والترمذي].
ففي اختيار الصديق معيارٌ يُكشف به صدق المرء وثباته
صديق الكل لا يُغضب أحدًا لأنه لا يجرؤ على قول الحق ولا ينصر أحدًا لأنه لا يريد أن يخسر الآخر تراه في كل مجلسٍ متلونًا بلون الحاضرين، يغيّر لغته كما يغيّر نبرات صوته كأنّه مرآةٌ تعكس من يقف أمامها لا ذاتًا حقيقية تستحق الاحترام
قال الشاعر الحكيم:
إذا المرءُ لم يَرعَ الهوى
في صديقهِ
فليس لهُ في الناسِ خلٌّ يُعاشِرُ
ولعلّ من أطرف المفارقات أن هذا النمط من الأشخاص قد يُكرَّم في المجالس ويُشاد به ظاهريًا بينما تُقال عنه في الخفاء العبارات الموجعة: "لا يُؤتمن" "كلامه معسول" "وجهه للجميع ولسانه بلا موقف"
هكذا يضيع الإنسان بين رغبةٍ في القبول وخوفٍ من المواجهة فيخسر الاثنين معًا
إن الصداقة ليست في الكثرة بل في النقاء فواحدٌ يصدُقك الموقف خيرٌ
من مئةٍ يبتسمون لك
في المجالس
ولعلّ أخطر ما في الأمر
أن من يعيش بهذا النمط يظن نفسه محبوبًا بينما يراه الجميع مجرد ظلٍّ بلا ملامح لا يُعتمد عليه في شدّة
ولا يُؤتمن في غياب
كن صادقًا لا شاملاً وكن صديقًا لا تابعًا واثبت على مواقفك ولو خسرت نصف من حولك فـالثابتون
في زمن التلوّن نادرون لكنّهم وحدهم من يُؤمَن جانبهم وتُحفظ مودّتهم
المستشارالإعلامي
حامد محمد الطلحي الهذلي
رئيس فريق صُنّاع السعادة
عضو جمعية نجوم السياحة فرع الطائف
عضو فريق الإعلام السعودي صحيفة غرب الإخبارية