المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 6 أكتوبر 2025
نجيبة المحجوب - مصر
نجيبة المحجوب - مصر

الربيع العربي… بين الحلم الشعبي و"الفوضى الخلّاقة


منذ اندلاع موجة الاحتجاجات العربية في عام 2011، ظلّت الأسئلة الكبرى معلّقة: هل كانت تلك الثورات انفجارًا شعبيًا عفويًا ضد الفساد والاستبداد؟ أم أنها جزء من مشروع دولي وإقليمي لإعادة رسم خريطة المنطقة، كما وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس مشروعها بـ"الفوضى الخلّاقة"؟

لم تأتِ الاحتجاجات من فراغ. فمعظم المجتمعات العربية كانت تعاني أزمات مركّبة: بطالة متفاقمة، فساد إداري، غياب العدالة الاجتماعية، وانسداد أفق سياسي. هذه التربة الهشّة كانت كافية لأن تشعل شرارة الغضب بمجرد أن اندلع الحريق في تونس.

لكن، ما بدأ كشعارات للحرية والكرامة، سرعان ما تحوّل في بعض الدول إلى ساحات صراع أهلي وإقليمي، لتدخل دول مثل ليبيا واليمن وسوريا في دوامة حروب أنهكت شعوبها وأعادت مؤسساتها عشرات السنين إلى الوراء.

الدور الخارجي وسردية "المؤامرة"

لا يمكن إنكار أن القوى الدولية والإقليمية رأت في هذه اللحظة التاريخية فرصة للتدخل وإعادة ترتيب مصالحها. التدخلات العسكرية في ليبيا، والدعم المتباين للفصائل في سوريا واليمن، جعلت مشهد "الثورة" يتحوّل إلى ساحة تنازع نفوذ.
هنا برزت بقوة فكرة "المؤامرة"، خصوصًا مع ترديد مصطلحات مثل "الفوضى الخلّاقة" و"الشرق الأوسط الجديد". ورغم أن هناك من يرفض تصنيف ما حدث على أنه خطة واحدة محبوكة، إلا أن النتيجة على الأرض أوحت بأن الهدف كان إضعاف الدولة الوطنية العربية، وتفكيك مؤسساتها لصالح كيانات هشة يسهل السيطرة عليها.

والنتيجه

سوريا واليمن وليبيا: حروب أهلية وتدخلات إقليمية ودولية مستمرة، وانهيار في البنية التحتية والمؤسسات.

تونس: رغم استمرار التجربة الديمقراطية، إلا أن الأزمة الاقتصادية والسياسية تهدد المسار.

مصر: استطاعت تجاوز العاصفة سريعًا، متجنبةً سيناريوهات التفكك التي طالت جيرانها.


هكذا بدا أن الشعارات الواعدة بالحرية انتهت إلى واقع مُرّ من الفوضى والدمار في أكثر من بلد.

الموجة الثانية… خطر يتجدّد

منذ 2018، شهدنا عودة موجات احتجاجية في السودان، الجزائر، لبنان، العراق، وغيرها. هذا يؤكد أن جذور الغضب الشعبي ما زالت قائمة. لكن السؤال الأهم: هل تتعلّم الشعوب العربية من دروس 2011؟ هل تُدرك أن التغيير لا يُصنع عبر إسقاط الدولة بل عبر إصلاحها من الداخل وبناء مؤسسات قوية تحمي الوطن؟

الدرس الأهم

من يحب وطنه لا يغامر بإسقاط أركانه في سبيل أوهام سريعة. المظاهرات وحدها لا تغيّر الأنظمة، بل قد تُسقط الدول في براثن الفوضى. التجربة أثبتت أن الحفاظ على الدولة ومؤسساتها هو الضمانة الوحيدة لمستقبل الشعوب، وأن أي "موجة ثانية" للربيع العبري – كما يصفه كثيرون – لن تكون إلا تكرارًا لمأساة سابقة، ما لم يستيقظ العرب من المحيط إلى الخليج ويدركوا أن البديل عن الاستقرار هو الخراب.

لقد كان "الربيع العربي" لحظة تاريخية فارقة، كشفت عن آمال الشعوب مثلما كشفت عن هشاشة الدول. لكن بعد مرور أكثر من عقد، لم يعد مقبولًا أن نعيد إنتاج التجربة نفسها. المطلوب اليوم وعيٌ جمعي، وإرادة إصلاح حقيقية، وتحصين للأوطان ضد أي محاولات لاستخدام مطالب الشعوب المشروعة كذريعة لتفكيكها.
 0  0  806