المعلم هو القلب النابض في جسد العملية التعليمية، به تنبض الفكرة وتنمو، ويستنير العقل بالتوجيهات السليمة، وتـزهو القيم بالقدوة الصالحة
.
يُـعدّ يوم المعلم مناسبة عالمية سامية، تستوقف المجتمعات؛ لتستحضر مكانة من نذروا حياتهم للعقل والمعرفة، وكرّسوا أعمارهم لتشييد صروح العلم وتكوين الوعي الإنساني. فالمعلم في حقيقته ليس ناقلًا للمعرفة فحسب، بل هو مهندس الفكر، ومهذّب السلوك، وباني الإنسان الذي تقوم عليه حضارات الأمم.
إنّ الأمم لا تنهض بالثروات وحدها، بل بالعقول التي تصنع الثروات، والمعلم هو الذي يشعل جذوة الفكر في تلك العقول، فينقل المجتمعات من دائرة التلقين إلى فضاء الإبداع والابتكار.
وقد أدركت الدول المتقدمة هذه الحقيقة، فكان تقديرها للمعلم جزءًا من استراتيجياتها في التنمية، إذ لا إصلاح للتعليم من غير إصلاح حال المعلّم، ولا ازدهار للأمم من دون أن يكون المعلّم في طليعة من يُقدَّر ويُكافأ.
لقد أدركت الأمم المتقدمة أنّ الــتّـعليم هو الأساس الذي يُبنى عليه كل تطور، وأنّ المعلم هو القلب النابض لهذا البناء، ومن ثمّ خصّت يومه بالتقدير والاحتفاء، إيمانًا بأنَّ نهضة الشعوب تبدأ من قاعة الدرس، وأنّ كل إنجازٍ علمي أو تقني هو في جوهره ثمرة من ثمار يدٍ معلّمةٍ صادقة.
والمعلم يمثل الرّكن الأصيل في العملية التعليمية، فهو الذي يغرس في طلبته منهج التفكير النقدي، ويصقل قدراتهم المعرفية، ويوجههم نحو اكتشاف الحقيقة بمنهجيةٍ علميةٍ رصينة.
إنّ رسالته تتجاوز حدود التلقين إلى بناء الشَخصية العلمية المستقلة، القائمة على قيم النزاهة، والانضباط، واحترام الفكر والمعرفة.
ويحمل هذا اليوم في مضمونه دعوةً للتَـأمل والتقدير، إذ لا يُقاس عطاؤه بمقدار ما يُدرّس من مقررات، بل بما يُحدثه في العقول من تحول، وفي النفوس من إلهام. إنّ الأثر التربوي والمعرفي الذي يتركه المعلم في طلبته يمتد إلى أجيال متعاقبة، فيغدو صوته صدى لا يخبو، وفعله ضياءً لا ينطفئ.
كما يمثل الاحتفاء بيوم المعلم اعترافـــًا جماعيًا بمكانة العلم والتربية في بناء الأوطان، وتجديدًا للعهد بأن تبقى العملية التعليمية أولوية وطنية، تقوم على توفير بيئة ملائهم للمعلم ولطلاب، ودعم المعلم وتأهيله وتمكينه من أداء رسالته بأعلى مستويات الكفاءة والإبداع.
ختامًا، يظل المعلم ــ في كل زمان ومكان ــ رمزًا للمعرفة وضميرًا للأمة، وحلقة الوصل بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها. إن تكريم المعلم ليس حدثًا سنويًا عابرًا، بل هو ثقافة مستمرة، تُترجمها الممارسات والسياسات التي تجعل من التعليم ركيزة النهضة، ومن المعلم قيمة وطنية عليا تستحق التقدير والوفاء.