المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 4 أكتوبر 2025
ابراهيم علي الفقيه
ابراهيم علي الفقيه
ابراهيم علي الفقيه

سبعتلاف سنة





في مسرح قديم متهالك، تتكرر العروض نفسها كل ليلة. خشبة متشققة، ستائر بالية، كراسي فارغة إلا من قلةٍ اعتادت الحضور بدافع الملل أو الفضول. على الخشبة تقف فرقة تعرف نفسها بـ”الإعلام”، لكنها لا تقدم فناً ولا تنويراً، بل شعارات مستهلكة وأصواتاً متشنجة.

أما المخرج الحقيقي لهذا العبث فهو رجل اسمه “طارق”، يجلس مختبئاً في الكمبوشة، يراجع دفاتر قديمة صفراء، ويوجه الممثلين بصوت حاد:
• الليلة نبدأ بمشهد “التكية”.
• ثم “أكتوبر”.
• بعدها “أبو الهول”.
• ثم لا تنسوا فقرة “ثيران وصنافر”.
• بعد ذلك أعيدوا المشهد الشعبي: “علمناكم وعالجناكم”.
• ولا بأس أن تمروا على “أموال الحج”، فالناس تحب القصص عن الثروة المزعومة.
• ثم “أين آمال ماهر”.
• وختام العرض: “سبعتلافسنة” و”الجيش الأقوى” و”الباشا الألباني وأبناؤه”.

الممثلون يصفقون، ثم يخرجون إلى الجمهور ليعيدوا ذات الكلمات: صراخ، دموع، اتهامات. وفي كل مرة تكون السعودية هي الهدف المفضل، تُستحضر كعدو أو كمتهم، وكأنها سبب كل أزمات الداخل المصري.

حتى “أموال الحج” لم تسلم من أن تتحول إلى مشهد مسرحي رخيص. يخرج الممثل ليصرخ: “أموال الحج في السعودية تكفينا وتسد ديوننا!”، وكأن المملكة مسؤولة عن مشاكل اقتصادهم، أو كأن الشعائر الدينية يمكن أن تُختزل إلى خزينة مفتوحة على طلباتهم. يصفق رفاقه له على الخشبة، بينما الجمهور يتنهد: نفس الخطاب، نفس التهريج، نفس الهروب من مواجهة الواقع.

الجمهور بات يحفظ هذه العروض عن ظهر قلب:
• “التكية” لا تعالج أزمة خبز.
• “أكتوبر” لا يسدد فاتورة كهرباء.
• “أبو الهول” لا يوقف الغلاء.
• “ثيران وصنافر” لا تبني مستشفى.
• “علمناكم وعالجناكم” لا تملأ رفوف الصيدليات.
• “أموال الحج” لا تُحوّل الأوهام إلى إنجازات.
• “أين آمال ماهر” لا يحل أزمة سياسية.
• “سبعتلافسنة” لا تصنع حاضراً ولا مستقبلاً.
• و”الجيش الأقوى” لا يشبع بطون الجائعين.

الحقيقة أن المسرح صار عبئاً على جمهوره. الممثلون يكررون النصوص نفسها منذ عقود، يهاجمون من لا ذنب له، ويتباكون على أوهام، ويبحثون عن شماعة خارجية. أما السعودية، فهي الشماعة الأثيرة لديهم، تُهاجم حين يشحّ النص، وتُستدعى حين يحتاج العرض إلى “عدو” يصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية.

لكن ما لا يدركه طارق وفرقتُه أن العالم تغيّر. فالمملكة اليوم تمضي في مشاريع عملاقة، ورؤية اقتصادية واضحة، وبناء مدن المستقبل، بينما المسرح ما زال عالقاً في الماضي، يردد نفس الجمل، وكأن الصراخ يكفي لصناعة واقع مختلف.

إن عرض “سبعتلافسنة” ليس إلا مسرحية باهتة، تُدار من الكمبوشة بأوامر طارق، وتعيد في كل ليلة فصولاً محفوظة: “التكية، أكتوبر، أبو الهول، ثيران وصنافر، علمناكم وعالجناكم، أموال الحج، أين آمال ماهر، سبعتلافسنة، الكورة والرياضة، الجيش الأقوى، الباشا الألباني وأبناؤه”.

لكن الستارة سقطت، والجمهور غادر، وبقيت الفرقة وحدها تضحك على نفسها، تظن أن الصدى الذي تسمعه هو تصفيق الناس، بينما هو مجرد ارتداد أصواتها في جدران المسرح الخاوي. أما السعودية، فهي خارج هذا المشهد تماماً، مشغولة بصناعة مستقبلها، لا تلتفت إلى ضجيج مسرح لم يعد أحد يشتري تذاكره

“أما المسرح فبقي خاويًا… وأما السعودية فمضت تبني، تاركةً الآخرين يتصارعون مع صدى أصواتهم.
بواسطة : ابراهيم علي الفقيه
 0  0  1.3K