المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 3 أكتوبر 2025
د. بندر الحنيشي
د. بندر الحنيشي

عن د. بندر الحنيشي

دكتوراه في الفقه المقارن، عضو محكمة لندن الدولية، مستشار شرعي وقانون وتحكيم دولي.

الكتاب المجيب عن سكنى الشعاعيب -سجلّ التاريخ والأنساب وعبق المكان

ليست الكتب مجرد أوراق يطويها الزمن، بل هي أرواح تحفظ ذاكرة الأمم، وتروي للعالم ما مضى من أصالة، وما بقي من كرامة. ومن بين هذه النفائس يبرز كتاب «الكتاب المجيب عن سكنى الشعاعيب» للأستاذ القدير مسفر بن حامد الشعابي، الذي جمع بين التحقيق الدقيق والسرد الأدبي البديع، ليقدّم سفرًا شامخًا يربط بين الأرض والإنسان، وبين المكان والأنساب، وبين الماضي والحاضر.

في هذا الكتاب، لا تقتصر الرحلة على ذكر الأمكنة أو توثيق الجغرافيا، بل تتعداها إلى قلب القبيلة نفسها، إلى جذور الشعاعيب، وإلى أعماق ما حملته العوائل من نسب أصيل وفضائل راسخة وسمات نادرة. فكل جبل، وكل وادٍ، وكل رابية في ميسان ليست مجرد تضاريس، بل هي شاهد حي على تاريخ القبيلة، ومرآة لعراقة أعلامها، وصفحات حية من سيرة أهلها.

لقد أجاد المؤلف في نسج مادته، فجاءت الصفحات نابضة بالحياة، والعبارة رصينة، والسرد بليغًا يجمع بين جزالة البيان وصدق النقل، بعيدًا عن الرتابة والتكلّف، قريبًا من الروح والوجدان، فتشعر وأنت تقرأ وكأنك تسير بين جبال الشعاعيب، وتستمع إلى همسات الأجداد، وتشاهد أعلام العوائل على مر العصور، متصلة بالمكان ومترابطة في النسب، كعقدٍ متين تتلألأ درره.

وقد عبّر الأجداد –رحمهم الله– عن مكانة هذه القبيلة بأصدق العبارات، فقال جدّي لوالدتي: «إن الشعاعيب كعقد الحفل، إذا انطفأت إحدى مصابيحه، لا يضير ذلك ما دامت بقية المصابيح مضيئة». كلمات تختصر معنى التلاحم والوحدة، وتجعل القارئ يدرك أن القبيلة لم تُبنَ فقط على الأرض، بل على القيم والمبادئ، وعلى الوفاء والمروءة، وعلى التعاون والمشاركة، فكل فرد فيها نور يضيء درب الآخر، وكل عائلة تكمل الأخرى، وكل جيل يحمل شعلة الجيل الذي سبقه.

ويأتي قول والدي –رحمه الله– ليزيد الصورة وضوحًا وجلالًا: «قبيلة الشعاعيب شمعة بني الحارث»، وهو تعبير صادق عن الوهج الذي تمثله الشعاعيب بين القبائل، وعن شموخها الذي يضيء الطريق للآخرين، وعن الشرف الذي يظل حيًا في كل بيت، وفي كل نسب، وفي كل أثر تركوه على الأرض.

إن ما يميز هذا الكتاب أنه يجمع بين توثيق المكان وحفظ الأنساب، وتسجيل سير الرجال، وبين جمال الأسلوب ورفعة البيان، فليس مجرد مرجع أكاديمي، بل هو عمل أدبي متألق يحمل روح الأصالة ويخاطب القارئ بأسلوب يحرك الوجدان ويغذي الروح. فهو دليل للباحثين، وكنز للأجيال، وزاد للاعتزاز بالانتماء، ومرآة حية لتراث القبيلة.

وأثناء تصفح صفحات الكتاب، يجد القارئ نفسه يتنقل بين الأمكنة والأسماء، بين التاريخ والسيرة، بين ميسان وروابيها، فيشعر بعبق المكان، ويعايش أحداث الزمن، ويلتقي برجال القبيلة الذين نقشوا أسماءهم في سجل المجد، تاركين إرثًا لا يزول. فالكتاب ينقل القارئ بين تفاصيل دقيقة، ويغنيه بما يحتاجه من معرفة، ويغرس في النفس شعورًا بالفخر والاعتزاز بالانتماء.

إن «الكتاب المجيب عن سكنى الشعاعيب» بحق سفر يجمع بين الحقيقة والخيال، وبين العلم والأدب، وبين الواقع والذاكرة، ويمثل إضافة نفيسة للمكتبة العربية، ويخدم كل باحث مهتم بالأنساب، وبالتاريخ، وبالمكان، وبالتراث، ويمنح أبناء القبيلة فرصة للتعرف على جذورهم، واستعادة مجدهم، والتأمل فيما تركه الأسلاف من إرث كريم.

وفي ختام هذا المقال، يظل الشعر أصدق وسيلة لتجسيد الجمال والفخر، وهنا أختتم ببيتين يصفان بعذوبة المكان وكرم أهله، ويخلدان روح القبيلة:

ميسانُ بها ربعُ الشعاعيبِ
وبيوتُها مأوى لأسدٍ غِلابِ

ذوو كرمٍ ماجدونَ لهم نَسَبٌ
وهمْ للنفوسِ إن سقمتْ طِبابُ
 0  0  3.0K