المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 28 سبتمبر 2025
وسميه محمد العبيدان
وسميه محمد العبيدان

ترف الاتجاهات… وفقر الفكر"

قل لي أين تسكن… أقل لك من أنت؟"
عبارة يتداولها البعض، وقد تبدو في ظاهرها مزاحًا عابرًا، لكنها في حقيقتها تحمل بين طيّاتها قدرًا من التعصّب، وربما التنمّر الاجتماعي. أصبحت مواقع السكن في بعض المدن معيارًا غريبًا يُقاس به الإنسان: سلوكه، مظهره، وحتى اختياراته في المطاعم والمقاهي.
ظاهرة تصنيف الأحياء بين "شمال" و"جنوب"، "شرق" و"غرب" باتت أكثر من مجرد اتجاهات جغرافية، وأخذت تتحول - عند بعض العقول - إلى موازين تقيس بها القيمة والهيبة والانتماء. وكأن كل جهة تحمل تصنيفًا غير مكتوب لسكانها، يتجاوز الجغرافيا إلى أحكام اجتماعية لا تمت للواقع بصلة.
ولو تأملنا الحقيقة، لوجدنا أن أغلب الأحياء متشابهة. لا أنهار تفصل بينها، ولا بحيرات تميزها، لا شواطئ ترفع من قيمتها، ولا فوهات بركانية تضيف لها عنصر الإثارة. مجرد مساكن، شوارع، وخدمات – متقاربة في بنيتها، متفاوتة في حظها من الاهتمام فقط.
ومع ذلك، صار يُنظر إلى بعض أحياء "الشمال" وكأنها الحاضن الحصري للـ"VIP"، بينما تُصنَّف بقية الجهات وكأنها خارج التصنيف البشري اللائق. وكأن القاطنين هناك أكثر رفعة وأحقية بالاحترام، لا لشيء إلا لموقع سكنهم.
المفارقة أن الكثير من سكان "الشمال" اليوم كانوا في يومٍ ما من أبناء "الجنوب" أو "الشرق" أو "الغرب"، فالهجرة داخل المدن طبيعية، والتطور العمراني لا يُقصي أحدًا. ولا يعيب أحدًا أن ينتقل حيث تتوفر الخدمات أو تتحقق الفرص الأفضل.
نعم، من الطبيعي أن تكون بعض الأحياء أكثر تطورًا من غيرها، فهذا نتاج التخطيط وتوزيع الخدمات. لكن ما ليس طبيعيًا – ولا مقبولًا – هو أن تتحول هذه الفوارق إلى سُلّمٍ طبقي وهمي، يُقاس به الناس وكأن قيمتهم تابعة لرمزهم البريدي.
الإنسان ليس بما يرتديه، ولا بما يرتاده، ولا أين يسكن. بل بما يحمله من خُلق، وما يقدمه من فعل، وما يتركه من أثر. دعونا نرتقي بفكرنا، ونُعيد للإنسان مكانته الحقيقية، بعيدًا عن وهم الاتجاهات والمسميات.

 0  0  2.4K