الرقي في التعامل.. لغة القيم وأخلاق الكبار
من أروع ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات قدرته على التواصل والتأثير بالقول والفعل.
ولكن ليس كل تواصل يرتقي إلى مستوى الإنسانية الحقة فالرقي في التعامل هو ذاك السلوك الذي يكشف معدن المرء الأصيل ويعكس عمق قيمه وتربيته.
إنك حين تتحدث بكلمة طيبة أو تُلقي تحية بلطف أو تبتسم في وجه من تقابله فأنت لا تقدم مجرد فعل عابر بل توقّع على صفحة حياتك شهادة حسن سلوك وتترك في ذاكرة الآخرين بصمة راقية لا تزول.
وقد لخّص النبي ﷺ قيمة الكلمة الطيبة بقوله: «الكلمة الطيبة صدقة» فالرقي في التعامل عبادة قبل أن يكون مجرد خلق اجتماعي. بل إن الإسلام جعل حسن الخلق أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة، حيث قال ﷺ: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق».
الرقي في التعامل لا يُشترى بالمال، ولا يُكتسب بالمظاهر بل هو ثمرة بيئة تربوية أصيلة ونشأة وُضعت فيها الأخلاق قبل الشهادات والقيم قبل المظاهر.
وهذا ما عبّر عنه الشاعر حين قال:
وإنَّما الأُممُ الأخلاقُ ما بقيَتْ
فإنْ همُو ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا
وفي زمن تزدحم فيه ضغوط الحياة وتسابق فيه المصالح تظل الأخلاق الرفيعة بمثابة صمام أمان للمجتمع تحفظ تماسكه وتزيد من لحمة أفراده وتبني جسور المودة والثقة بين الناس.
فلا مجتمع ينهض بالأنظمة وحدها ولا حضارة تُشيَّد بالأبنية فقط إنما الأخلاق هي الركيزة الأولى والسلوك الراقي هو العلامة الفارقة.
الرقي في التعامل يعني أن تستمع قبل أن تتحدث وأن تُقدّر قبل أن تنتقد وأن تضع نفسك مكان الآخر قبل أن تحكم عليه.
يعني أن تكون كريمًا في عفوك سخيًا بابتسامتك رحيمًا في ردك وأنيقًا في سلوكك.
والأجمل من ذلك أن الرقي في التعامل لا يتوقف عند دائرة الأسرة أو الأصدقاء بل يمتد إلى كل من نلقاهم في حياتنا اليومية؛ من سائق التاكسي إلى موظف الخدمة ومن زميل العمل إلى جار المنزل.
كل هؤلاء يستحقون لفتة إنسانية راقية تبقى في قلوبهم أثرًا لا يُمحى.
فلنسأل أنفسنا بصدق: ماذا نترك خلفنا بعد كل لقاء؟
هل نترك انطباعًا جميلاً يجعل الآخر يدعو لنا أم نترك جرحًا لا يندمل؟
إن الإجابة على هذا السؤال هي ما يصنع الفرق بين إنسان عابر وإنسان راقٍ يُخلِّد اسمه بأخلاقه ويُثبت أن الرقي في التعامل مرآة صافية لقيم الإنسان وتربيته.