المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 20 أكتوبر 2025
الكاتبة إلهام سيد الأنصاري
الكاتبة إلهام سيد الأنصاري

المملكة العربية السعودية: من التأسيس إلى العالمية

تُعَدُّ المملكة العربية السعودية واحدة من أبرز النماذج التاريخية والسياسية في العالم المعاصر، إذ استطاعت خلال أقل من قرن أن تنتقل من مجتمع صحراوي بسيط إلى دولة ذات ثقل عالمي. وقد مرّت بعدة مراحل مفصلية أسهمت في تشكيل هويتها ومكانتها، بدءًا من جهود التوحيد على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود –طيب الله ثراه– مرورًا باكتشاف النفط والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وصولًا إلى المرحلة الراهنة التي تتسم بالإصلاحات الكبرى ورؤية المملكة 2030.

أولًا: مرحلة التوحيد والتأسيس (1902 – 1932)

بدأت رحلة التوحيد عام 1902م حينما استعاد الملك عبدالعزيز الرياض، وجعلها قاعدة لانطلاق مشروعه السياسي. وخلال ثلاثة عقود، تمكن من توحيد معظم أقاليم الجزيرة العربية تحت راية واحدة، ليُعلن في عام 1932م تأسيس المملكة العربية السعودية.

تميزت هذه المرحلة بإرساء دعائم الأمن بعد سنوات من التناحر القبلي، وبناء نظام سياسي قائم على الشريعة الإسلامية، وهو ما منح المملكة خصوصيتها وهويتها المميزة.

الأثر على العالم:
أدى هذا التوحيد إلى إنهاء حالة الانقسام في الجزيرة العربية، وجعلها كيانًا سياسيًا موحدًا ومؤثرًا في محيطها الإقليمي.

ثانيًا: اكتشاف النفط والتحول الاقتصادي (1938 – 1970)

شكّل عام 1938م نقطة تحول مفصلية مع اكتشاف النفط في بئر الدمام، حيث بدأت رحلة المملكة نحو التحولات الاقتصادية الكبرى. فقد انتقلت من دولة محدودة الموارد تعتمد على الحج والتجارة، إلى دولة غنية بالثروات الطبيعية.

وفي عهدي الملك سعود والملك فيصل، انطلقت مشاريع البنية التحتية الحديثة من مطارات وطرق ومستشفيات ومدارس، ما أحدث نقلة نوعية في حياة المواطنين.

الأثر على العالم:
تحولت المملكة إلى مورد رئيسي للطاقة، وأصبحت محورًا استراتيجيًا في السياسات الاقتصادية العالمية. كما ساهمت في تأسيس منظمة "أوبك" عام 1960، لتلعب دورًا قياديًا في ضبط أسعار النفط ودعم اقتصادات الدول المنتجة.

ثالثًا: الدور الديني والإنساني (منذ التأسيس وحتى اليوم)

تتشرف المملكة بكونها موطن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، ما جعلها قبلة أكثر من مليار ونصف مسلم حول العالم. وقد أولت الدولة منذ نشأتها اهتمامًا بالغًا بتوسعة الحرمين والمشاعر المقدسة، وتقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام.

وعلى الصعيد الإنساني، تُعَدُّ المملكة من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإغاثية والتنموية عبر "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية".

الأثر على العالم:
عزز هذا الدور مكانة المملكة كقلبٍ للعالم الإسلامي، وبرزت في دعم قضايا المسلمين سياسيًا وماديًا، مثل دعم فلسطين، وأزمات البوسنة والهرسك، ورعاية اللاجئين في مختلف أنحاء العالم.

رابعًا: النهضة التنموية والاجتماعية (1970 – 2015)

في عهد الملك فيصل ثم الملك خالد والملك فهد –رحمهم الله– أُطلقت خطط تنموية كبرى شملت التعليم والصحة والطرق والكهرباء والمياه. وأصبح التعليم مجانيًا ومتاحًا للجنسين، وافتُتحت الجامعات الكبرى مثل جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز.

شهدت المملكة توسعًا حضريًا كبيرًا، ونشأت صناعات وطنية مهمة مثل البتروكيماويات والصناعات العسكرية.

الأثر على العالم:
ساهمت المملكة في استقرار سوق الطاقة العالمية، ولعبت دورًا مهمًا في دعم قضايا السلام بالشرق الأوسط، وكانت وسيطًا فاعلًا في العديد من الأزمات الدولية.

خامسًا: المرحلة الحديثة ورؤية السعودية 2030 (2016 – حتى الآن)

مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله– انطلقت رؤية المملكة 2030، وهي مشروع وطني طموح يهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.

تركز الرؤية على قطاعات جديدة كالسياحة، والتقنية، والطاقة المتجددة، والترفيه، والثقافة، إضافة إلى تمكين المرأة والشباب، وإطلاق مشاريع كبرى مثل نيوم، البحر الأحمر، القدية، والدرعية.

الأثر على العالم:
أصبحت المملكة مركز جذب عالمي للاستثمارات، ولاعبًا أساسيًا في مواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي وأمن الطاقة. كما تحولت الرياض إلى عاصمة للمؤتمرات الدولية، كان أبرزها استضافة قمة مجموعة العشرين عام 2020.

خاتمة

منذ تأسيسها وحتى اليوم، قطعت المملكة العربية السعودية مسيرة مذهلة من الصحراء إلى العالمية. جمعت بين الأصالة والحداثة، فحافظت على هويتها الإسلامية والدينية، وفي الوقت ذاته دخلت بقوة إلى عصر الإصلاحات الاقتصادية والتقنية.

لقد جعلت مكانتها الدينية منها قلب العالم الإسلامي، فيما جعلتها ثروتها النفطية ركيزة الاقتصاد العالمي، أما رؤيتها الطموحة فقد جعلتها نموذجًا يُحتذى للدول التي تصنع المستقبل. وهكذا، لم تؤثر السعودية فقط على محيطها، بل تركت بصمة واضحة وعميقة على العالم أجمع.
 0  0  2.9K