" اليوم الوطني 95 عزنا بطبعنا"
يُعد يوم 23 سبتمبر من كل عام ذكرى وطنية يسعد بها كل فرد عاش ويعيش ويترعرع على أرض هذا الوطن الغالي، وفي هذا اليوم تتسع اللغة لتحتوي الفخر، وتضيق المفردات عن وصف الولاء. فالانتماء ليس كلمة تُقال، بل شعور يفيض في العروق كالنهر، ويضيء في العيون كالنجوم. الوطن ليس ترابًا نسير عليه، بل روحٌ تسكن فينا، وظلٌّ نحتمي به، وصوتٌ في الأعماق يهمس كل صباح: "أنا لك، فكن لي".
للوطن أيّامٌ لا تُقاس بساعاتها، بل تُقاس بما تحمل من مجدٍ وذكرى، بمجدها. إنّ يوم الوطن عندنا ليُشبه الفجر الذي انبلج من رحم الليل، فأضاء الأرض بما فيها، وأحيا القلوب بما أودع فيها من طمأنينة وعزيمة.
إنّه يومٌ وُلد فيه كيانٌ عظيم، كيانٌ اجتمع فيه الشتات بعد فرقة، وتوحّدت فيه الكلمة بعد تباين، فصار الوطنُ وطنًا، وصارت الأرض أرضًا ذات مجد وسيادة. يومٌ حمل لواءه قائدٌ حكيم، أقام بنيانه على دعائم العقيدة، وأرسى صرحه على أساس الوحدة، فغدا وطننا شاهدًا على أنّ العزّ والمجد والشموخ.
إنّ شعار هذا العام: "عزّنا بطبعنا" ليس عبارةً تُقال، ولا لافتةً تُرفع، بل هو خلاصة تاريخٍ ممتدّ، وسرّ روحٍ متجذّرة. هو صوت الأرض حين تنطق بلسانها: إنّ عزّ هذه البلاد يخلد للقائد المحنك جلالة الملك عبد العزيز، ومن بعده أبنائه ومن سار على نهجه المتين.
إنّ اليوم الوطني هو جسرٌ بين زمنين: زمن الأجداد الذين غرسوا البذرة بعرق الجباه وصبر القلوب، وزمن الأبناء الذين يرعون الغرس حتى يورق ويثمر حضارةً وحداثةً ونورًا. إنّه لوحة الأمل التي تتجدد في كل عام، حيث ترفرف الأعلام كأجنحة الطيور، وتغدو السماء أكثر اخضرارًا، كأنها تشارك الأرض فرحتها، فاليوم الوطني ليس تذكارًا للماضي وحده، بل هو جسرٌ متين بين الأمس واليوم والغد. ففيه نُطلّ على الماضي فنرى البدايات الأولى، وننظر إلى الحاضر فنشهد نهضةً مزدهرة، ونسافر إلى المستقبل فنلمح بشائر الطموح والرؤية. وما بين هذه المراحل الثلاث خيطٌ واحد يربطها جميعًا: عزّةٌ راسخة بطبعنا، وكبرياءٌ لا ينكسر، ووفاءٌ لا يزول.
إنّ للأوطان أمانات، وأمانة الوطن أعظمها؛ فهي عهدٌ على الجباه، ووعدٌ على القلوب. تحمله الأجيال تلو الأجيال وتقوم به الرجال تلو الرجال عهد وأمانة وثيقة لا ينفصل بين الراعي والرعية إطاره الإخلاص وسطوره الوفاء وصميمه حفظ الثراء وحمايتها تحت ظل حكومة خادم الحرمين الشرفيين الملك سلمان بن عبد العزيز ــــ حفظه الله ـــ وولي عهد الأمين سيدي الأمير محمد بن سلمان ــــ حفظه الله ـــ.
إنّنا إذ نحتفي باليوم الوطني، نحتفي بذاك الصوت العميق الذي يهمس في وجدان كلّ فردٍ منّا:
(كن للوطن كما كان لك، واصنع له كما صنع لك، فهو العزّة التي فيك، وهو الطبع الذي في دمك).
تحت شعار "عزّنا بطبعنا" نقولها عاليةً مدوّية:إنّ عزّنا ليس طارئًا، ولا مستعارًا، ولا مُعارًا، بل هو راسخٌ رسوخ الجبال، صافٍ صفاء السماء، عميقٌ عمق الصحراء. عزّنا طبْعٌ لا يُشترى، وفطرةٌ لا تُنتزع، ومجدٌ لا يُملى من خارج الحدود، بل يُكتَب من داخل القلوب، من تراب بلادنا حفظها الله.
ليكن هذا اليوم الوطني منارةً تذكّرنا بما كنّا، وتلهمنا بما نحن عليه، وتدفعنا إلى ما سنكون عليه بعون الله. وليكن شعارنا في كلّ حين:
"عزّنا بطبعنا، ومجدنا بأيدينا، وخلودنا بتاريخنا".
فالوطن فينا، ونحن للوطن، ودام عزّك يا وطنٌ خالد، في الأرض والسماء، في الماضي والحاضر، وفي كلّ غدٍ آتٍ بإذن الله.