المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأربعاء 17 سبتمبر 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

تركي الدخيل.. المتنبي الذي يكتب بالنثر

إذا ذُكر تركي الدخيل، حضر معه طيف الأدب في أجمل صوره، وحضر معه شغفٌ أصيل بالشعراء الذين خلدوا الكلمة وجعلوها تعاند الزمن. فهو ليس مجرد إعلامي أو كاتب يلاحق الحدث، بل قارئ نَهِم للتراث، عاشق للشعر العربي القديم، يستضيء بكنوزه، ويجد في أبي الطيب المتنبي ورفقاءه من عظماء الشعر، كأبي تمام والمعري وغيرهم، رفيقًا للفكر ومرآةً للروح.

ظلّ الدخيل في مقالاته وحواراته يُلمح إلى مكانة المتنبي، وكأنه يرى فيه النموذج الأسمى للشاعر الذي جمع بين قوة المعنى وجمال الصياغة وجرأة الموقف. وحين يكتب، تتجلى في نصوصه روح ذلك الشاعر الكبير، لتعلّمنا أن الكلمة لا قيمة لها إن لم تكن شاهدة على الوجود، وأن بيتًا شعريًا قد يزن أحيانًا ما لا تزن المجلدات. ولعل هذا الوله بالشعر القديم منح كتاباته نكهة خاصة، فهي ليست منقطعة عن التاريخ، بل ممتلئة بروحه، تحاور الماضي لتصنع للحاضر وعيًا متجددًا.

تركي الدخيل لا يكتفي بتذوق الشعراء القدامى، بل يجعل من إرثهم قاعدة ينطلق منها. فحين يقرأ للمتنبي أو أبي تمام أو المعري، يخرج من بين السطور بمعانٍ جديدة تضيء الواقع. وهو يدرك أن الأدب العظيم ليس حنينًا إلى الوراء فقط، بل طاقة تُعيد ترتيب الحاضر. ومن هنا جاء تميزه: مزج بين أصالة التراث وضرورة المعاصرة، بين حكمة القدماء وأسئلة العصر.

وإذا تأملنا لغته، وجدنا أثر الشعر القديم يسري في عباراته؛ صياغة محكمة، وتشبيهات عميقة، وكلمات تحمل من الجلال ما يجعلها أقرب إلى بيت شعري محفوظ في الذاكرة. وكما كتب المتنبي ليخلّد نفسه، يكتب تركي الدخيل ليخلّد فكرة، أو ليحمي معنى من الضياع وسط زحام اللحظة.

إن حب الدخيل للشعراء القدامى ليس إعجابًا عابرًا، بل جذر ممتد في تكوينه الثقافي. فهو يقرأهم ليزداد صلابة، ويستشهد بهم ليمنح كلماته شرعية التاريخ، ويستحضرهم ليذكّرنا أن الحرف الأصيل لا يموت. ولعل هذا ما جعله مختلفًا عن كثير من الكُتّاب المعاصرين، إذ يحمل في داخله توقيرًا حقيقيًا لأولئك الذين رفعوا للغة صروحًا ما زالت شامخة.

وفي نهاية المطاف، يبقى تركي الدخيل قلمًا يذكّرنا بأن الأدب سلسلة لا تنقطع، وأن الكلمة الحديثة لا تكتمل إلا إذا صافحت يدها يد القدماء. يكتب اليوم، لكنك حين تقرأه تشعر بظل المتنبي يحلّق فوق السطور، يبارك المعنى ويمنحه من خلوده. هكذا هو الدخيل: جسرٌ بين زمنين، وصوتٌ يوازن بين وعي العصر وصدى التراث، وبين حرارة اللحظة وعبقرية الماضي.
 0  0  2.5K