المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأربعاء 10 سبتمبر 2025
حامد محمد الطلحي الهذلي
حامد محمد الطلحي الهذلي

بحياتك يا ولدي امرأة وذكريات العشرينات في الطائف

لكل إنسان مرحلة من العمر تبقى محفورة في ذاكرته مهما مرّت السنوات وتغيرت الملامح مرحلة تظل تنبض بالحياة في ثنايا القلب. أما بالنسبة لي فكانت العشرينيّات هي العمر الأخضر العمر الذي لا يُشبه غيره؛ حيث كانت الأحلام أوسع من سماء الطائف والروح أكثر صفاءً من ندى وردها الطائفي

في تلك الحقبة ارتبطت روحي بأغنية العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ بحياتك يا ولدي امرأة لم تكن مجرد أغنية عابرة بل كانت رفيقة دربي وصوت أيامي تتردد في أذني أينما ذهبت وترافقني في كل تفاصيل حياتي اليومية

كنتُ أتجول في منتزه الردف حيث الصخور الجميلة والملاهي التي أنشأتها بلدية الطائف في عهد الدكتور حسن حَجْرَة بينما يملأ صوت عبدالحليم المكان وكأنه يعزف على أوتار قلبي
وفي طريق الشفا حين يتسلل الضباب بين الجبال ويلفّ المكان برهبة وسحر كنت أضع شريط الكاسيت وأترك الكلمات تذوب في داخلي كما يذوب الندى على خدود الورد الطائفي

لم تكن الطائف مدينة وحسب بل كانت لوحة من المشاعر والذكريات حتى في برحة القزاز كنت أسمع الأغنية عبر الراديو أو من مسجّل السيارة فتغمرني الكلمات بإحساس خاص وكأنها خُصّت لي وحدي تحكي عن المرأة التي تمنح العمر معنى وعن الحنان الذي لا ينضب وعن الوجه الذي يضيء حتى أشد اللحظات عتمة

ومن طُرَف تلك الأيام أنني كنت أركب سيارات فخمة أستعيرها
من أصدقائي
حتى أطلقوا عليّ لقب
"الأمير الفقير"
وكأن الأغنية كانت تكمل ذلك المشهد الذي يجمع
بين رهافة المشاعر وبساطة الحال

غير أن الذكريات ليست كلها فرحًا فما زلت أذكر يومًا قُبض عليّ فيه من قِبل هيئة [ الأمر بالمعروف ] فصادروا شريط الكاسيت وحلقوا شعري على شكل صليب والحقوها بكفين كفين آحييه خرجتُ يومها منكسر القلب حزينًا
لم أجد في داخلي
ما يدعوني إلى الضحك بل غمرتني دموع صامتة وأنا أذهب إلى الحلاق لأكمل ما تبقى من شعري
على "الزيرو"
كان الموقف قاسيًا علّمني أن بعض الذكريات تحفر في الروح بالوجع أكثر من الفرح

ومع ذلك بقيت الأغنية حاضرة في كل تفاصيل شبابي كل ركن من شوارع الطائف كان له صدى معها كل جلسة كل انتظار كل أمل لم تكن مجرد لحن ولا كلمات بل كانت شريكة لسنواتٍ شكلت أجمل ما في العمر

واليوم حين أستعيد تلك المرحلة بعين القلب أدرك أن عبدالحليم لم يكن يغني للعاطفة وحدها بل غنّى للزمن كله لجيل كامل عاش تفاصيله مع كل نغمة

رحمك الله
يا عبدالحليم
ما زالت كلماتك تتردّد في أذني حتى اللحظة تحملني إلى أيام لن تعود
لكن يبقى لها أثر خالد في الوجدان. لقد منحتنا بصوتك معنى آخر للحب والوفاء، وربطت ذكرياتنا بنغماتك التي لا تموت سيبقى صوتك شاهدًا على أن الفن الصادق لا يشيخ بل يعيش فينا ما حيينا
 0  0  2.4K