المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأربعاء 10 سبتمبر 2025
الكاتبة إلهام سيد الأنصاري
الكاتبة إلهام سيد الأنصاري

دموع الرجال بين قوة العاطفة وشفاء الروح

كثيرًا ما يرتبط البكاء في الأذهان بالضعف، وكأن دموع الرجل وصمة عار تقلل من رجولته، بينما الحقيقة أن البكاء نعمة ربانية وآلية نفسية وروحية للتنفيس عن الألم والضغط. فالرجل، مهما بدا قويًا صلبًا، يظل إنسانًا يحمل قلبًا يفيض بالمشاعر، وروحًا تحتاج
إلى التخفف.

ذكر الله البكاء في مواضع عديدة من القرآن الكريم، مقترنًا بخشية الله والخشوع له، قال تعالى:

وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا" [الإسراء: 109]
كما قال سبحانه عن أهل الإيمان:
"إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِّيًا" [مريم: 58]

وهذا يدل على أن البكاء لا ينتقص من الإنسان بل يرفعه درجات، فهو دليل خشوع ورقة قلب.

النبي ﷺ نفسه بكى في مواقف عديدة، ومن ذلك:
بكى عند وفاة ابنه إبراهيم وقال: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا".

وبكى عندما قرأ عليه ابن مسعود سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَؤُلاءِ شَهِيدًا" [النساء: 41].

فالرسول ﷺ، وهو أكمل الرجال، لم يرَ في دموعه عيبًا، بل رحمة ورقة قلب.

البكاء وسيلة طبيعية للتنفيس عن الضغط النفسي. الأطباء النفسيون يؤكدون أن كبت المشاعر يسبب القلق والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم.

البكاء يفرز هرمونات تقلل من التوتر.

يساعد على استعادة التوازن العاطفي.

يعزز القرب من الآخرين حين يرون صدق المشاعر.

بل إن بعض الدراسات ترى أن البكاء بلا سبب واضح قد يكون إشارة إلى حاجة الجسد للتخلص من التوتر الكيميائي الداخلي.

بكاء الرجل بين العيب والفطرة
الموروث الشعبي كثيرًا ما اعتبر بكاء الرجل عيبًا، حتى قيل: "دموع الرجال غالية". لكن الحقيقة أن العيب ليس في الدموع، بل في قسوة القلب. فالرجولة ليست في جمود المشاعر، وإنما في الحكمة والرحمة وضبط الانفعال.

البكاء في الشعر العربي

الشعراء مجدوا الدموع وعدّوها من علامات الصدق والوفاء:

قال المتنبي:
إذا اشتبكت دموع في خدودٍ
تبين من بكى ممن تباكى

وقال قيس بن الملوح:
وأبكي على ما فاتني من وصالها
بدمعٍ غزيرٍ المستهلِّ غزيرِ

فالدموع هنا ليست ضعفًا، بل أصدق تعبير عن الحب والوفاء.

خاتمة
دموع الرجل ليست عيبًا، بل دواء للقلب وراحة للروح، وصدق للإنسانية. القرآن والسنة والشعر والطب جميعها اجتمعت على أن البكاء رحمة لا مذلة، وقوة لا ضعف. ومن يجرؤ على البكاء في لحظة صدق، إنما يجرؤ على مصالحة نفسه والاعتراف بإنسانيته
 0  0  2.0K