المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 8 سبتمبر 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

حين يتحوّل الميكروفون إلى قصيدة: حكاية زاهد قدسي

هناك شخصيات في تاريخ الإعلام الرياضي تظل كالأطياف الأدبية التي يرويها الناس جيلاً بعد جيل، لأنهم لم يكتفوا بأن يكونوا مجرد أصواتٍ عابرة، بل صاروا كالسرد الشعري الذي ينساب في ذاكرة التاريخ الرياضي. وزاهد قدسي، رحمه الله، هو واحد من أولئك الذين تشعر وأنت تتحدث عنه كأنك تتصفّح رواية قديمة، مليئة بالدفء والحكمة.

لم يكن زاهد قدسي مجرد مذيع يصف المباريات، بل كان أشبه بشاعرٍ يقصّ على مسامعنا فصولاً من ملحمة رياضية، يلونها بألفاظ منتقاة، وبروحٍ تجيد العبور من الحماسة إلى التأمل. فقد كان صوته قطعة من الأدب المسموع، وكلماته تشبه تلك السطور التي تترك في نفس القارئ أثراً لا يُمحى.

وهكذا كان زاهد قدسي، رحمه الله، أسطورةً ترويها لنا الإذاعة وكأنها تروي حكاية شاعر عاشق لصوته ولجمهوره. فهو شخصية أدبية في ثوب مذيع، وإنسانية متدفقة في هيئة صوتٍ لا يُنسى. ويظل زاهد قدسي نجماً في سماء الإعلام، يتألق بعمق أدبي لا يعرف الأفول.

ولأن العظماء لا يرحلون فعلاً، يبقى حضور زاهد قدسي حيًّا بين السطور التي تُكتب عنه، وبين الذكريات التي يرويها من عاصروه. فقد كان صوته مرآةً لعصرٍ كامل، وصدىً لمشاعر جيلٍ وجد في الإذاعة صديقًا ورفيقًا في تفاصيل الحياة.. فهو
من أولئك الذين لا يقاس أثرهم بعدد المباريات التي وصفوها أو البرامج التي قدّموها، بل بقدرتهم على أن يجعلوا من الميكروفون أداةً للثقافة، ونافذةً للروح، ووسيلةً لنسج حكاية وطنٍ كان يتلمّس خطواته نحو المستقبل.

رحم الله العم زاهد قدسي، فقد كان صوته أكبر من مهنة، وأعمق من لقب،وكان مدرسةً في الوفاء للكلمة، وإشراقةً من إشراقات الإعلام الرياضي التي لا تغيب. وسيبقى زاهد قدسي، رحمه الله، شاهدًا على زمن البدايات، وصوتًا لا يزال يتردّد في ذاكرة التاريخ. فهو لم يكن مجرد مذيع، بل كان وجدانًا حيًّا يختصر علاقة الإعلام بالإنسان، ويمنح للكلمة قيمةً تظل نابضة مهما غاب أصحابها.
 0  0  10.0K