المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 7 سبتمبر 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

ضحك منتهي الصلاحية

ليس كل من يضحك أمام الناس ينام ليلته قرير العين. فبعض الوجوه التي تراها تبتسم في الصور، تحمل في عتمتها جدرانًا صامتة لا يزورها أحد. فهم يوزعون الضحك كأنهم يملكون فائضًا منه، لكنهم حين ينفردون بأنفسهم، يكتشفون أن كل ما تبقى هو صمت ثقيل، وأسئلة مؤجلة، ونفس لم يكلّفوا خاطرهم بالجلوس معها وجهًا لوجه،
وهؤلاء بارعون في أن يكونوا حاضرين... حاضرين في المناسبات وحضورهم مليء بالحكايات الخفيفة، والنكات السريعة، والردود الجاهزة. فهم يعرفون كيف يملأون المساحات الفارغة بين الناس، لكنهم لا يعرفون كيف يملأون الفراغ داخلهم. ففي كل ليلة، حين يختفي الجمهور، يعودون إلى المسرح الفارغ، ويخلعون ابتساماتهم كما تُخلع الملابس، ويتفاجأون أن ملامحهم الحقيقية أقل راحة بكثير.
ولأن الكلام مع النفس مهارة تحتاج شجاعة أكبر من الكلام أمام الناس. فهناك أشياء لا يمكنك خداع ذاتك بها، ولا تملك أن تزيّنها، ولا تستطيع أن تمررها بخفة. لذلك يهرب البعض إلى واقع اخر ، حيث الضحك أرخص، والمجاملات أسرع، والحكايات لا تُطالبك بدفع ثمنها من روحك.
فالكلام مع النفس ليس حوارًا بسيطًا. إنه عملية حفر في الذات، حيث تتراكم الحقائق المؤجلة، والجروح القديمة، والأسئلة التي هربنا منها طويلًا. ولهذا، يفضل الكثيرون الهروب… حيث الضحك سريع، والحديث سطحي، والأجواء التي لا تمنح فرصة للتفكير.
لكن الثمن الحقيقي يُدفع لاحقًا… حين تصبح الوحدة غير محتملة، وحين تكتشف أن كل الضجيج الذي عشت فيه لم يكن إلا غطاءً على فراغ لم تملأه. فالمسافة بين أن تكون مقبولًا لدى الجميع، وأن تكون صادقًا مع نفسك، هي نفس المسافة بين أن تنام مرتاحًا، وأن تغفو هربًا من التفكير.
والحقيقة التي لا يريد الكثيرون مواجهتها، هي أن الضحك أمام الناس لن يداوي شيئًا إذا كان صمتك مع نفسك موجعًا. وأن الصراحة مع ذاتك، مهما كانت قاسية، أرحم من أن تمضي عمرك ممثلًا في مسرح لا يصفّق فيه أحد حين تُغلق الستارة. لأن حينها لا يبقى معك سوى أنت… فإما أن تكون صديق نفسك، أو أن تصبح غريبًا عنها، وحينها أيضًا، حتى أكثر الضحكات إشراقًا، لن تمنعك من النوم مثقل القلب.
 0  0  3.1K