المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 5 سبتمبر 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

الأماكن.. وبعدها أين فنان العرب؟

أعرف أن فنان العرب محمد عبده فنان كبير، بل كبير جدًا، وله تاريخ فني يحجب عين الشمس. ولا غرابة في ذلك حين نقول إنه فنان العرب الذي تسيد الساحة الفنية الخليجية والعربية بجدارة، لأنه فنان ذكي يعرف متى يختار الكلمة، ومتى يبحر باللحن.

لكن ما يلفت الانتباه أن آخر أغنية حققت نجاحًا مدويًا له هي "الأماكن"، التي أبدع في تلحينها الراحل ناصر الصالح، فأعطت لفنان العرب لا أقول نقلة فنية بل توهجًا وصيتًا واسعًا، عبَر بالعمل إلى المستمع العربي خارج حدود الخليج.
ومن عام 2005 حتى 2025، أي على مدى عقدين كاملين، غنّى فنان العرب مئات الأغاني، لكن لم نسمع أن أغنية قد حققت الشهرة أو ذاع صيتها بالقدر نفسه. وهنا يطرح السؤال نفسه وبالخط العريض أين كان محمد عبده في العقدين الماضيين؟ وهو الذي اعتاد أن يدعم حضوره الفني بألحانه الخاصة، وألا ينتظر من أي ملحن أن يكون سندًا لمسيرته.

ويأتي سؤال آخر أكثر إلحاحًا: هل الألحان التي قُدمت له في السنوات الأخيرة لم تكن قادرة على أن تمنحه ما يجعله في صدارة المشهد كما اعتدنا؟ أم أن الأمر أبعد من مجرد لحن وكلمة؟

الحقيقة أن المسألة لا تكمن في الأغنية وحدها، بل في زمن الأغنية أيضًا. "الأماكن" لم تكن عملًا عابرًا؛ بل جاءت في لحظة نادرة، لحظة التقاء النص العاطفي الصادق باللحن العابر للحدود، بالصوت الذي يحمل هيبة التاريخ ورهافة الإحساس. ومنذ تلك اللحظة، لم يعد المطلوب أغنية عادية، بل معجزة جديدة. والجمهور حين يذوق طعم المعجزات، يعجز أن يرضى بالقليل.

وهنا نصل إلى جوهر الفلسفة: ربما لم يتراجع محمد عبده، بل ارتفع إلى مقام آخر. مقام لا يُقاس بعدد الأغاني التي تتصدر المشهد، بل بكونه أصبح "أيقونة حيّة"، وصوتًا يختصر ذاكرة أمة. لقد تجاوز مرحلة التنافس، ليصبح هو المعيار الذي تُوزن به الأغاني والأصوات.
إن محمد عبده اليوم ليس مجرد مطرب يبحث عن أغنية ناجحة، بل مدرسة قائمة بذاتها. وحين تصل القمة، لا يعود السؤال: أين الجديد؟ بل يصبح السؤال الأعمق: كيف نصون الخلود؟
 0  0  3.4K