رفع الأذان : بين القدسية وضبط الصوت
يُعَدّ الأذان من أعظم شعائر الإسلام، وصوتاً يملأ القلوب بالسكينة ويذكّر المؤمنين بمواقيت الصلاة. غير أنّ المبالغة في رفع صوته عبر مكبرات المساجد، وبصورة تفاجئ الساكنين وتخترق جدران المنازل ونوافذها، تحوّل هذه الشعيرة المقدسة أحياناً من وسيلة تذكير رحيمة إلى مصدر إزعاج ومعاناة.
فكم من طفل رضيع أفزعه صوتٌ مباغت عالٍ، وكم من مسنّ أصيب بقلق وفزع جراء شدّة الصوت، وكم من مريض بالضغط والخفقان اضطرب قلبه تأثراً بموجات الصوت المرتفعة، ولهذا أصدرت الجهات المختصة – جزاها الله خيراً – قراراتٍ حكيمةً تنظم مستوى ارتفاع مكبرات الصوت في المساجد، بحيث يقتصر على الأذان والإقامة، دون مبالغة تضر براحة السكان.
لكن الملاحظ أن بعض المؤذنين لا يزالون يُصرّون على تجاوز هذه الضوابط، مبررين ذلك برغبتهم في جذب المصلين وحثهم على الحضور.
والحقيقة أن التجربة أثبتت أن من اعتاد الصلاة في المسجد لن يتأثر بدرجة الصوت، ومن اعتاد التخلف فلن تجذبه مكبرات الصوت مهما ارتفع مستواها. والنتيجة المباشرة وحدها هي الإضرار بجيران المسجد، وهو ما يتنافى مع قاعدة الشريعة الراسخة: "لا ضرر ولا ضرار".
في حي من الأحياء الصغيرة –لا يتجاوز عدد مبانيه عشر عمائر– يصرّ مؤذن المسجد على رفع الصوت بدرجة مفرطة، رغم تنبيهات متكررة من الجيران المتضررين، ورغم أن مساحة الحي المحدودة لا تبرر ذلك إطلاقاً.
إنّ مثل هذا السلوك يطرح تساؤلاً جدياً حول جدوى مخالفة الأنظمة من جهة، وإصرار البعض على تبرير ما يجلب المضرة للناس باسم الطاعة والأجر من جهة أخرى.
إنّ قدسية الأذان تكمن في أثره الروحي ورسالته السامية، لا في شدّة صوته. والاعتدال في رفع الصوت لا يُنقص من أجر المؤذن ولا من عظمة الشعيرة، بل هو امتثال للأنظمة، ورحمة بالناس، وتحقيق لمقاصد الدين التي تقوم على السكينة والرفق.