الاعتراف المتأخر: حين يصفق لك البعيد ويتجاهلك القريب
الحقيقة و من المؤسف أن كثيرًا من المبدعين في مجتمعاتنا لا يجدون التقدير من أقرب الناس إليهم — من العائلة، الأصدقاء، والمجتمع المحلي — رغم إنجازاتهم الواضحة. في المقابل، يسارع الغرباء ووسائل الإعلام البعيدة إلى الاحتفاء بهم وتقديمهم كنماذج ملهمة.
هذه المفارقة ليست جديدة فالتاريخ مليء بأمثلة لأدباء وعلماء لم يُعترف بهم إلا بعد أن ابتعدوا عن بيئتهم الأصلية. وغالبًا ما يكون السبب هو نظرة القريب التي يغلب عليها التعود، بل أحيانًا التحقير أو الاستهانة، فـ ابن فلان الذي نشأ بينهم لا يمكن في نظرهم أن يكون صاحب إنجاز استثنائي. في المقابل، يرى الغريب فيه طاقة لافتة تستحق الاحتفاء.
هذه الظاهرة تكشف خللاً في الوعي الجمعي: تردد في الاعتراف، وتقصير في التقدير، وكأن النجاح لا يُولد إلا خارج الحدود. وفي حين يتحول التصفيق البعيد إلى مصدر دعم للمبدع، يظل التجاهل القريب جرحًا مؤلمًا لا يُشفى بسهولة.
من هنا تبرز الحاجة إلى ترسيخ ثقافة التقدير داخل الدوائر القريبة. فالتشجيع ليس مجاملة، بل مسؤولية اجتماعية تعزز ثقة المبدع بنفسه، وتدفعه لمواصلة العطاء من قلب مجتمعه.
والسؤال المهم: هل نمنح المبدعين من حولنا ما يستحقون من تقدير، أم ننتظر إشادة الآخرين لنصدق أنهم ناجحون؟
الإجابة عن هذا السؤال قد تكون بداية لتصحيح المسار، كي لا نُفاجأ لاحقًا بنجاحات كانت بيننا، لكننا لم نرها إلا من بعيد… بعد فوات الأوان.