المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 21 أغسطس 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

خسارة بالاتفاق

بعض الخسارات لا نرثيها علنًا. فلا نكتب عنها، ولا نحدّث بها أحدًا. ليس لأننا لم نتألم، بل لأننا نعلم يقينًا أن ما فُقد، كان عبئًا لا نعترف به إلا بعد زواله… فما هي إلا علاقات أحببناها من طرف ناضج، لكنّها لم تُبادلنا النضج. وعلاقات أرهقتنا دون أن تجرحنا، وأثقلتنا دون أن تُخطئ بحقنا، لكنها كانت تشبه ارتداء ما لا يُناسب المقاس. فلا يعيقك، لكنك لا تتنفس جيدًا وأنت ترتديه.
وفي لحظة ما، ينتهي كل شيء بلا صدام، وبلا حديث أخير. فتبدأ الانسحاب ليس لأنك توقفت عن الحب، بل لأنك أخيرًا أحببت نفسك بما يكفي لتتوقف. وهنا، لا تجد نفسك حزينًا بالمعنى التقليدي. فلا تجد دموع، ولا غضب، فقط وضوح مفاجئ… يشبه استعادة التوازن بعد دوخة طويلة.
والمؤلم في هذه الخسارات أنها لا تملك مشهد نهاية. فلا أحد أخطأ، ولا أحد يعتذر. فقط صمت ينمو بينكما دون اتفاق، وفراغ لا تملؤه المحاولات، ولا الكلام. وما بعد هذا الصمت، راحة مربكة، تسأل نفسك أحيانًا إن كانت أنانية، أو فتورًا، لكنها في الحقيقة وعي… وعي أنك كنت تعطي أكثر مما تملك. وتصمت أكثر مما ينبغي. وتفسّر نفسك مرارًا، وتُراعي تفاصيل لا تُرى فقط لأنك ظننت أن الحب وحده كافٍ. ثم تدرك، أن بعض العلاقات لا تليق بك مهما كان فيها من محبة. لأن الحب، حين لا يُترجم إلى أمان، يتحول إلى استنزاف ناعم.
ولذلك، حين تختفي هذه العلاقات، لا نشهق من ألمها، بل نتنفس بعدها. وفجأة نكتشف أننا كنّا نحارب من أجل بقاء شيء لا يُبنى، ونتمسّك برابط لا يُمسك. وما ظنناه خسارة، يتضح أنه مساحة استُعيدت.
فالخسارة الحقيقية ليست في انتهاء علاقة، بل في أن تظل فيها وأنت تتضاءل كل يوم. وأن تبرر وجودك، وتطلب مكانك، وتخشى أن تكون نفسك.
ولهذا، فهناك علاقات لا نبكيها، ليس لأننا لم نُحب، بل لأننا أحببنا بصمتٍ أرهقنا، فكان الفقد أقل كلفة من البقاء. وكان الهدوء بعدها أعظم من كل ضوضاء كانوا يسمّونها اهتمامًا.
 0  0  2.9K