فوضى الإعلام: من الانفتاح الفضائي إلى الشعوبية الرقمية
في مطلع التسعينات الميلادية، شهدت الساحة الإعلامية العربية تحولًا جذريًا مع الانفتاح الفضائي، حيث بدأت القنوات التلفزيونية تتكاثر وتتنوع في محتواها، من السياسة إلى الرياضة ومن الصحة إلى الترفيه. هذا الانفجار الإعلامي رغم ما يحمله من فرص للتنوير والانفتاح سرعان ما كشف عن مظاهر فوضوية أربكت المشهد وشوهت صورة الإعلام التقليدي.
في غياب المتابعة الدقيقة تعددت المنصات وتنوعت الرسائل لكن غابت المعايير المهنية والضوابط الأخلاقية.
فبدلًا من أن تكون هذه القنوات منابر للوعي للأسف تحولت إلى ساحات لتضليل الجمهور حيث اختلطت الحقائق بالأوهام وغابت الدقة لصالح الإثارة.
ونتيجة لذلك، نشأ جمهور ساذج نوعا ما يتلقى المعلومة دون تمحيص ويصدق كل ما يُعرض عليه دون أن يسأل عن مصدرها أو يتحقق من صحتها.
ومع ظهور ما يُعرف ببرامج التواصل الاجتماعي المتنوعة تضاعف هذا الإسفاف الإعلامي إذ دخلت الشعوبية المطلقة إلى المشهد بلا مسؤولية أو رقابة.
فلم يعد هناك "حارس بوابة " يفلتر المعلومات أو يضبط إيقاعها بل باتت المنصات الرقمية ساحات مفتوحة لتبادل المحتوى الرديء دون حسيب أو رقيب.
ورغم هذا المشهد المربك برزت أصوات نزيهة من داخل العاصفة تتصدى لهذا الانحدار بقلمها أو بحديثها خاصة عبر منصات مثل "تيك توك" حيث يحاول بعض المثقفين والمهنيين إعادة الاعتبار للكلمة، وتقديم محتوى يوازن بين الجاذبية والمصداقية.
وفي الحقيقة إن استمرار هذا التدفق الإعلامي غير المنضبط يشكل خطرًا على الوعي الجمعي ويستدعي تدخلًا عاجلًا لتقنين برامج التواصل الاجتماعي ووضع آليات رقابية فعالة لضبط المحتوى وتوجيهه نحو ما يخدم المجتمع ويعزز ثقافته.
فالإعلام، في جوهره، ليس مجرد وسيلة ترفيه أو تفاعل بل مسؤولية أخلاقية ومشروع وطني يتطلب الحماية والتطوير في آن واحد .
ودمتم