المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 14 أغسطس 2025
محمد بن العبد مسن -سلطنة عُمان
محمد بن العبد مسن -سلطنة عُمان

سر الهدوء… حين يصبح التجاهل فنًّا

في عالم يزداد ازدحامًا بالصوت والصورة، لم تعد السعادة في امتلاك كل شيء أو معرفة كل شيء.
بل أصبحت السعادة الحقيقية في فن الانتقاء… أن تختار ما يستحق انتباهك، وتترك ما لا يستحق.

كثيرون يعتقدون أن راحة البال تأتي من تحليل المواقف وفهم النوايا والتدقيق في التفاصيل.
لكن الحقيقة أن ذلك الطريق يقود في أغلب الأحيان إلى التعب النفسي وإرهاق القلب.

إذا أردت أن تعيش سعيدًا، لا تحلل كل شيء، ولا تفسر كل شيء، ولا تدقق في كل شيء.
تجاهل كثيرًا، ودع بعض الأمور تمضي كما جاءت، بلا تعليق ولا تحقيق.

التجاهل ليس انسحابًا، بل هو أحيانًا أذكى طريقة للانتصار على الفوضى.
إنه قرارٌ بأن تحافظ على صفاء روحك، وألا تسمح للأحداث الصغيرة أن تسرق منك سلامك الداخلي.

الحياة مليئة بالمواقف التي تستفزك، والكلمات التي قد تجرحك، والتصرفات التي تثير تساؤلاتك.
لكن ليس كل ما يستفزك يستحق الرد، وليس كل ما يثير فضولك يستحق البحث.

حتى الألماس، تلك الجوهرة التي تبهر العيون وتغري القلوب، حين خضعت للتحليل، اكتشف العلماء أن أصلها فحم.
لكن قيمتها لم تأتِ من أصلها، بل من رحلتها الطويلة تحت الضغط والتحول إلى شيء ثمين.

وهكذا هي المواقف والأشخاص…
ليست قيمتهم في تفاصيل ماضيهم أو أصلهم، بل في ما أصبحوا عليه اليوم.

التجاهل يمنحك طاقة إضافية لما هو أهم.
ويجعلك تضع وقتك حيث يصنع الفرق، بدل أن تضيعه على معارك صغيرة لا تضيف شيئًا لحياتك.

لقد فهم الحكماء أن بعض الأبواب يجب أن تبقى مغلقة.
ليس لأن خلفها خطر، بل لأن ما خلفها لا يضيف أي قيمة لحياتك.

كم من إنسان أنهك قلبه لأنه أراد أن يعرف سبب كل كلمة، ومعنى كل تصرف، وتاريخ كل حدث.
وكم من آخر عاش بهدوء لأنه اختار أن يبتسم ويمضي بدل أن يحقق ويفتش.

التجاهل أحيانًا هو أعظم أشكال القوة.
لأنك حين تتجاوزه، فأنت تعلن أنك أكبر من أن تُستدرج لمعارك تافهة.

الحياة قصيرة، ولن تنتظر حتى ننهي تحقيقاتنا في كل حدث يمر بنا.
هي تمضي، والسعيد من يقرر أن يمضي معها بخفة قلب وصفاء عقل.

ضع أمامك قاعدة واضحة:
ليس كل ما يُقال عنك يستحق الرد، وليس كل ما يُفعل أمامك يستحق التوقف عنده.

اجعل قلبك مخزنًا للنقاء، وعقلك مسرحًا للأفكار النبيلة، ودع ما عدا ذلك يتبخر في الهواء.
فلا شيء يعلق بك إلا ما سمحت له أنت بالبقاء.

في النهاية… تجاهل كثيرًا، واسعَ قليلًا، وابتسم دائمًا.
فالذين حللوا الألماس وجدوا أصله فحم، لكن العالم كله لا يزال يراه جوهرة.
 0  0  1.5K