المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 2 أغسطس 2025
المهندس/ علي السليم
المهندس/ علي السليم
المهندس/ علي السليم

حين يصبح “التواصل الاجتماعي” انقطاعًا وجدانيًا

رسائل منسوخة… ومشاعر مفقودة في زحام التقنية

في عصرٍ يتسارع فيه كل شيء، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من أدوات للتقارب إلى مساحات تعج بالرسائل المنسوخة والمشاعر المعلّبة. وبين إيجابياتها العظيمة وسلبياتها المتراكمة، تظهر الحاجة الملحّة لإعادة النظر في طريقة تعاطينا مع هذا العالم الرقمي المتضخم.

من التواصل الإنساني إلى “النسخ واللصق” الجماعي

لا خلاف على أن “واتساب” و”تويتر” و”سناب شات” و”إنستغرام” وغيرها من برامج التواصل الإجتماعي غيّرت وجه العالم. فقد قرّبت المسافات، ويسّرت التفاعل اللحظي، ومكّنت الأفراد من التعبير، والتأثير، وبناء شبكات اجتماعية ومهنية لم تكن متاحة من قبل.

لكن، في خضمّ هذه الثورة الرقمية، ظهرت ممارسات تُفرغ التواصل من مضمونه. لعل أبرزها الرسائل المحوّلة التي باتت تملأ صباحاتنا ومساءاتنا بلا توقف. عبارات مكررة، تخلو من الطابع الشخصي، تُرسل جماعيًا دون اكتراث، وكأنها واجب ثقيل أكثر منها محبة صادقة.

الإرهاق الرقمي… حين تبهت المشاعر

ما يُعرف بالإرهاق الرقمي أو Digital Fatigue أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها. فتلقي المستخدم يوميًا لعشرات الرسائل المتشابهة – التي تبدأ بـ”صباح الخير” وتنتهي بـ”أعد الإرسال” – يخلق حالة من اللامبالاة، ويقتل لذة التفاعل الحقيقي، ويحوّل الهاتف إلى صندوق بريد مزعج لا يحمل إلا الضوضاء.

بل إن كثيرًا من الناس أصبحوا يتهربون من قراءة الرسائل أو الرد عليها، لأن أغلبها لا يحمل جديدًا، ولا ينطوي على اهتمام حقيقي، بل مجرد نسخة مكررة تدور في حلقة مفرغة.

هل فقدنا جوهر “التواصل”؟

لقد خُلق الإنسان على فطرة التفاعل الإنساني الحقيقي؛ الكلمة الطيبة، الدعاء الصادق، الرسالة التي تخرج من القلب لتصل إلى القلب. أما أن نختزل تواصلنا برسائل جاهزة و”إيموجي” سريع، فهذا ما يحوّلنا من بشر إلى روبوتات رقمية لا تعي ما ترسل، ولا تشعر بما تتلقى.

الرسالة التي تكتبها بيدك، وتخاطب بها شخصًا بعينه، تساوي أضعاف الرسائل المعلّبة التي تُرسل بالجملة. ففي الأولى دفء وخصوصية، وفي الثانية برودة وظيفية لا تترك أثرًا.

دعوة للعودة إلى “الوعي الرقمي”

في خضم الضجيج الإلكتروني، آن الأوان لأن ننتبه. لا بأس أن نستخدم التقنية، ولكن بوعي. أن نسأل أنفسنا قبل إرسال كل رسالة:
هل هذه العبارة تعبّر عني؟
هل ستُفرح من أرسلها إليه؟
هل تستحق أن تُقرأ أم أنها نسخة من مئة سابقة؟

إننا بحاجة إلى تربية رقمية جديدة، تُعيد للمحتوى قيمته، وللرسائل معناها، وللقلوب تواصلها الصادق.

الخلاصة: التقنية وسيلة… لا غاية

وسائل التواصل الاجتماعي ليست عدوًا، بل أداة جبارة بيد من يحسن استخدامها. ولكن الخطورة تكمن حين تتحوّل الوسيلة إلى غاية، والمحتوى إلى نسخ ولصق، والتواصل إلى مجرد إشعار لا يُقرأ، وصوت لا يُصغى إليه.

فلنُحسن الاختيار، ولنُعد للرسائل روحها، وللقلوب دفأها، وللعلاقات معناها الحقيقي.
بواسطة : المهندس/ علي السليم
 0  0  1.9K