المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 26 يوليو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

الجحود

ليس كل من عرف الخير يعرف قيمته. هناك من تعوّد على النعمة حتى صارت في عينيه أمرًا عاديًا، لا يلتفت إليها ولا يشكر عليها. وهناك من يأخذ المواقف الكبيرة كأنها حق مكتوب له، فلا يرى فيها فضلًا ولا يشعر بثقلها، لأن قلبه لم يتعلم يومًا أن يقدّر الموجود وهو بين يديه.
لذلك، فالجحود لا يأتي دائمًا ممن لا يعرفك، بل أحيانًا ممن كانوا أقرب الناس إليك... هؤلاء الذين نسوا وقفتك، وتجاهلوا صبرك، وتجاوزوا عن خيرك كأنه لم يكن يومًا.
وهذا ما قد يجعلك تظن في لحظة ضعف أن المشكلة فيك. لكن الحقيقة أن بعض القلوب لا تفتح عيونها إلا حين تشعر مرارة الفقد، ولا تفهم معنى النعمة إلا بعدما تغيب عنك. فهناك أرواح ترى الأشياء واضحة فقط في الغياب، وتبدأ في السؤال والندم حين يصبح من كان حاضرًا بعيدًا عنها.
وأصعب ما في ذلك ليس أن تُجحد، بل أن تُعلّق قلبك بما لن يأتي. وأن تبقى في مكانك تنتظر كلمة شكر أو نظرة تقدير، بينما تعرف في داخلك أن مكانها سيظل فارغًا. ولهذا، فإن الحكمة ليست أن تغيّر طيبتك، بل أن تغيّر مكانك. فتبقى كما أنت، بنفس القلب الصادق، وبنفس النية الطيبة، لكن مع من يستحق أن يرى فيك هذا الخير. ومع من يعرف قيمتك من وجودك الأول، لا حين تصبح ذكرى.
ولأن الذي يجحدك اليوم، هو نفسه من سيتمنى وجودك غدًا. ولأن الناس لا تفيق دائمًا إلا حين تشعر بفراغ المكان الذي تركته. فكل وقفة وقفتها يومًا ولم تجد صداها ستظل محفوظة عند الله أولًا، وعند الأيام التي لا تنسى. فليس المهم أن تبقى في المكان نفسه تنتظر التقدير، بل أن تعرف متى تتحرك. ومتى تحتفظ بنفسك، وتبحث عن مكان تُحترم فيه قبل أن تُفتقد.
فالحياة لا تبني قيمتك بما يقوله الناس عنك في حضورك، بل بما يشعرون به حين تغيب. ومن يعطي بصدق يبقى دائمًا أعلى، حتى لو لم يُرَ ذلك في لحظته الأولى.
 0  0  3.8K