المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 22 يوليو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

قصتي لاتقف عند حدود الورقة أو القلم

على مدى ما يقارب ثلاث عقودٍ من الزمن، تنقلت في دهاليز العمل الإعلامي، بدأ من خطوتي الأولى وأنا في السادسة عشرة من عمري، وحتى هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه الكلمات. كانت الرحلة طويلة... مليئة بالتجارب، وباللقاءات، وبالصوت والصورة، وبالقصص التي لا تُروى أمام الكاميرا فقط، بل تُخزَّن في القلب والذاكرة.
وطوال تلك السنوات، التقيت بالكثير من الأشخاص. بعضهم ما زالو حاضرين، يواصلون طريقهم في المهنة أو في الحياة، والبعض الآخر غادرونا إلى دار الحق، لكن أرواحهم باقية في المواقف والذكريات التي لا تُنسى. فهؤلاء الأشخاص، منهم من كان زميلًا، ومنهم من كان ضيفًا، ومنهم من أصبح صديقًا مقربًا. لكنّ القاسم المشترك بينهم جميعًا أن كل لقاءٍ ترك شيئًا في داخلي.
ففي الإعلام، لا تقف القصة عند حدود الورقة أو القلم، بل تمتد إلى العلاقات التي تبنيها، وإلى الإنسانية التي تحرص أن تظل حاضرة في كل موقف. وقد علّمتني هذه المهنة أن القيمة الحقيقية لأي عمل، هي الأثر الذي تتركه في نفوس الآخرين. فلا يكفي أن تُنهي حلقة أو تُغطي فعالية أو تنقل حدثًا، بل الأهم أن تكون قد صنعت علاقة، وخلقت ذكرى، وحرصت أن يكون وجهك وقلبك جزءًا من هذه اللحظة.
فخلال هذه العقود، مررت بتجارب لا تُعد، بعضها كان سهلًا، وبعضها كان شاقًا، لكن ما يظل ثابتًا هو قناعتي أن الطيب لا يضيع، وأن المعروف لا يُنسى، وأن العلاقات التي تُبنى بإخلاص، تبقى حتى وإن باعدت بيننا المسافات أو فرّقتنا الأقدار. فكم من الأشخاص التقيتهم لمرّة واحدة، لكنهم تركوا في قلبي شيئًا لا يُمحى، وكم من علاقات بدأت بلقاء عابر، لكنها تحوّلت إلى أخوّة لا تهزّها الأيام.
ولعل من أبرز ما يُكسبه الوسط الإعلامي لمن عاش فيه طويلًا، هو تلك الشبكة الواسعة من العلاقات الإنسانية والمهنية التي تتشكّل بمرور الوقت. فالإعلام ليس مجرد عمل، بل ساحة تتقاطع فيها شخصيات من أطياف مختلفة، كلٌ يحمل قصته وتجاربه ونظرته. ومع السنوات،حيث يتحوّل الإعلامي إلى ما يشبه "أخطبوط العلاقات"، يمد أذرعه نحو كل الاتجاهات، في الطب، وفي الفن، وفي المجتمع. ليس لأنه يبحث عن الظهور، بل لأن طبيعته تُحتّم عليه أن يكون حاضرًا، ومتّصلًا، ومنفتحًا. وهذه العلاقات لم تكن مجرد أسماء أو أرقام محفوظة، بل جسور حقيقية بُنيت على احترام وتقدير متبادل، وأصبحت مع الوقت واحدة من أهم مكاسب الرحلة.
ولذلك، لا أكتب هذا النص لأستعرض سيرة، بل لأقول شكرًا لكل من مشى معي هذا الدرب، ولو للحظة. وشكرًا لمن ساعد، ومن قدّر، ومن دعا بخير. وشكرًا لمن اختفى وبقي أثره، وشكرًا لمن لا يزال إلى اليوم على قيد المودة.
فالناس لا تُقاس بعدد اللقاءات، بل بعمق الأثر، والإعلام لا يُقاس بعدد المشاهدات، بل بصدق العلاقة التي تصنعها مع كل من مرّ بك. وما يدوم في النهاية ليس كثرة الكلام، بل صدق الحضور.
وهذا هو الإعلام الحقيقي، وهذا ما علّمتني إياه هذه السنوات الطويلة... أن تبقى طيبًا، مهما طال الطريق.
 0  0  3.0K