المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 20 يوليو 2025
أحمد الزهراني - الشرقية
أحمد الزهراني - الشرقية

الجيرة الطيبة: سكن الروح قبل الجدران


في زمن تتغير فيه الوجوه وتتباعد القلوب، تظل الجيرة الطيبة من أثمن القيم التي لا تُقاس بالمسافات، بل تُوزن بالمواقف.

فالجار ليس مجرد شخص يسكن بجوارك، بل هو مرآة للأمان، وصوت للنجدة، وظلٌ يمتد حين تشتد حرارة الحياة.

حق الجار لا يسقط مع الزمن ولا يُختزل في سلامٍ عابر، بل هو عهدٌ إنساني يترسخ في الأعماق، ويزهر بالخُلق النبيل والمروءة في الأوقات الصعبة. ولذا، لم تكن وصية الجار في ديننا الحنيف أمرًا عابرًا، بل امتدادًا لفلسفة التكافل التي أرسى دعائمها الإسلام، حين قال رسول الله ﷺ:

"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه." وهنا فتلك الوصية ليست حروفًا تُقال، بل مسار حياة ومبدأ تفاعل يعبّر عن أسمى معاني الأخوّة.

كانت الأحياء قديمًا تتنفس وجع بعضها، يعرف الجار آهات جاره قبل أن ينطق، وتفيض القلوب بالفرح إن فرح أحدهم، وتتماسك الأيادي في الشدائد كجسد واحد. واليوم، ورغم أنساق الحياة المتسارعة، لا يزال الوفاء حيًّا في قلوب من جعلوا من الجيرة وطنًا صغيرًا يُشبه الأهل وإن لم تجمعهم رابطة الدم.

فلنكن من أولئك الذين يروون تراب الجيرة بالودّ والوقوف مع الجار، ولنورث أبناءنا هذا الخُلق النبيل، ليشبّوا وهم يدركون أن المنزل ليس بمساحته، بل بالمحبّة التي تغمر جنباته.

إن الجيرة الطيبة لا تمنحنا السكن فحسب، بل ترفع قدر الإنسان، وتمنح القلب طمأنينة لا تُشترى.
 0  0  1.9K