المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 18 يوليو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

العلاقات الصحية

ليس كل اقتراب علامة حب، ولا كل هدوء دليل غياب. أحيانًا، أجمل العلاقات هي تلك التي تمنحك مساحتك دون أن تُشعرك بأنك وحدك. أن تكون حرًّا دون أن تُعامَل كأنك بعيد، وأن تكون في قلب العلاقة دون أن تُستهلك فيها.
فمن لهم من النضج نصيبًا، لا يفرضون حضورهم كواجب ولا يُثقلونك بكثافة التواصل. ولا يختبرون حبهم بعدد الرسائل ولا يقيسونه بمقدار التكرار. فهم يدركون أن العلاقات الصحية لا تنمو تحت الضغط، بل تحت ضوء كافٍ، وهواءٍ كافٍ، ومساحة حرة تسمح بالاقتراب دون قلق.
فالمسافة التي يمنحونها ليست دليل برود، بل وعي بما تحتاج. وتقدير أن لكل إنسان مزاجه، وطاقته، وصمته، وتوقيته الخاص للحديث والاقتراب.
وأن أجمل ما يمكن تقديمه أحيانًا هو التخفّف… لا المزيد. فهذا النوع من الأشخاص لا ينتظر مناسبة ليظهر، ولا يُفسد اللحظة بالحضور القسري.
فهو يعرف متى يبتعد قليلًا دون أن يتوارى، ومتى يتركك في عزلة مطمئنة دون أن تشعر أنك وحيد. لأن وجوده يشبه الطمأنينة التي لا تُعلن عن نفسها، لكنها تُشعر بالثبات.
لذا عليك أن تفهم أن من يمنحك مساحة لا ينسحب، بل يتنحّى عن منتصف المشهد ليترك لك مجالًا للظهور كما أنت. فتراه لا يُفسّر كل غياب على أنه جفاء، ولا يعتبر كل تأخر تقصيرًا.
لكنه يعرف أن التراكم لا يصنع قربًا، وأن الزحام العاطفي قد يُتعب أكثر مما يُعبّر. وهنا تكمن الفكرة... أن ليس كل من لم يُظهر اهتمامه بشكل مباشر قد ابتعد.
فبعض القلوب تعرف كيف تحضر دون إزعاج، وكيف تُعبّر دون أن تتكلم طوال الوقت. فتبقى حاضرة حتى وهي صامتة، وداعمة حتى وهي في الظل، وقريبة دون أن تلغي المساحة بينكما.
فهناك الكثير من العلاقات تفقد توازنها بسبب الفهم السطحي للتواصل. حتى ينشغل أحد الطرفين بعدّ المبادرات، وبمقارنة الرسائل، وبمراقبة المدة بين كل اتصال وآخر، حتى يُثقل العلاقة بأسئلة لا تليق بها.
في حين أن الارتياح الحقيقي لا يُبنى بالعدد، بل بالقدرة على البقاء معًا دون أن يختنق أحد من الآخر. لأن المساحة في العلاقات الاجتماعية عمومًا لا تخلق فتورًا كما يُشاع، بل تخلق احترامًا. وتُمنح عن طيب خاطر، ولا تُفهم كغياب، بل كاحترام ناضج لا يحتاج إلى ضجيج.
فالشخص الناضج لا ينتزعك من عزلتك، بل ينتظر قربك حين تكون مستعدًا له. ويعرف أنك لا تحب أن تشرح كل شيء، ولا أن تُسأل عن كل شيء. ويعرف ببساطة كيف يبقى دون أن يضغط، وكيف يهدأ دون أن يبتعد.
ففي عالم يُقاس فيه القرب والمحبة بالمبالغة، تظل المساحة واحدة من أرقى أشكال الحضور. ليس لأن الطرف الآخر لا يهتم، بل لأنه يُحسن الوقوف على المسافة المناسبة، ليصبح قريب بما يكفي ليشعرك بالأمان، وبعيد بما يكفي ليحفظ لك نفسك.
 0  0  2.2K