المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 15 يوليو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

القبول ياسادة

بعض الأشخاص لا تعرفهم جيدًا، ولا تجمعك بهم عشرة طويلة، ومع ذلك ترتاح لهم دون أن تدري لماذا.
فتشعر بأنك على سجيتك أمامهم، دون حذر، ودون محاولة تفسير، ودون الحاجة لتبرير ما تشعر به. فهم لا يعرفون عنك الكثير، لكن قربهم لا يحتاج إلى وقت، ولا إلى مقدمات.
فلا تعرف من أين جاء هذا الأمان. ولا لماذا تحديدًا مع هذا الشخص. فلا توجد عشرة عُمر، ولا مواقف عظيمة، ولا حكايات مشتركة طويلة. فقط لحظة صامتة شعرت فيها بأنك قادر أن ترتاح دون تمثيل، ودون محاولات للإقناع.
فهناك أشخاص لا تملك تفسيرًا منطقيًا لوجودهم، لكنك تشعر أنهم يعيشون بداخلك، كأن بينكم لغة أقدم من الكلام، وفهم أعمق من الشرح حيث تفتح قلبك أمامهم فجأة، ليس لأنك خططت لذلك، بل لأنك وجدت نفسك تتكلم دون أن تقف خلف كل كلمة لتراجعها.
فالراحة معهم لا تحتاج سببًا واضحًا لأنهم لا يبالغون في الاحتواء، ولا يسألون أسئلة كثيرة، لكنك تشعر معهم وجودك كما هو مقبول... وهذا شيء نادر. فلا يسعون لمحاولة اثارة غضبك، ولا يضغطون لتكون شيئًا آخر. فقط كل ما لديهم هو استماع هادئ، وردود خفيفة، ومساحة لا تُخيفك.
فهم ليسوا الأفضل في كل شيء، ولا الأقرب من حيث التفاصيل، لكن قربهم مختلف. يشبه لمسة على الروح. كأنك تلتقط أنفاسك للمرة الأولى بعد زحام طويل. فلا تنافس، ولا توتر، ولا مجاملات تُرهقك... فقط حضور حقيقي، ولا يُثقل.
ولأن الأمان لا يصنعه الزمن دائمًا، بل تصنعه الأرواح ، فقد تجد روحًا تُشبهك دون أن تعرف من أين جاءت، ولا لماذا جاءت الآن تحديدًا. وربما أكثر ما يُدهشك فيهم أنك لا تعرف عنهم الكثير، لكنك تثق في ما لا يُقال. وتشعر أن جملتك غير المكتملة ستُفهم، وأن تعبك لن يُفسَّر بطريقة خاطئة.
ومعهم لا تحتاج أن تشرح من البداية، ولا أن تبرر الصمت، ولا أن تخفف من ألمك لئلا يُفهم على غير حقيقته. فتقول ما بداخلك، حتى تلك الأشياء التي لم تكن تنوي قولها، ولا تخاف من ضعفك، ولا تخجل من صدقك.
وقد لا يدوم هذا القرب طويلًا. وربما لا يُترجم إلى علاقة ثابتة أو حضور مستمر. لكن وجوده في لحظة واحدة يكفي ليمنحك شيئًا من السكينة، ويذكّرك أنك لا تحتاج أن تُبرر دائمًا كي تُفهم، ولا أن تُثبِت شيئًا كي تُقبَل.
فهؤلاء الأشخاص ليسوا صدفة، ولا ضرورة. لكنهم هدية بسيطة، حين تلتقي بهم، تعرف أن هناك أرواحًا تأتي فقط لتُطمئنك أنك مفهوم، حتى دون أن تتكلم كثيرًا.
 0  0  3.1K