سعود الثبيتي... من عنق الزجاجة إلى قمم الصحافة
إذا كانت الصحافة في بعض مراحلها تحديًا يعصف بالموهوبين، فقد كان الأستاذ سعود الثبيتي نموذجًا فريدًا لمن صمد أمام الرياح العاتية، وخرج من عنق الزجاجة ليتربع على عرش الإعلام السعودي الحديث، محققًا نجاحًا لا يُقاس بمعايير معتادة، بل بصدى حضوره وتأثيره العميق في الوسط الصحفي والثقافي.
ظاهرة إعلامية تستعصي على التصنيف. قلمه ليس مجرد أداة، بل نبض يومي يصل القارئ الكبير والصغير، ويمدّ الجسور بين المجتمع وقضاياه، الوطن وتفاصيله، التاريخ وهموم الحاضر. كتبه المنتشرة في دور النشر، ومقالاته اليومية التي يتداولها المتخصص والمواطن العادي، تجسّد دور الكاتب الذي وهب نفسه للكلمة، ووهب الكلمة للمجتمع.
أسّس صحيفة "غرب" وبالمقابل تراس جمعية اعلاميون كرئيس مجلس إدارتها في المنطقة الغربية وكان له فضل تأسيس الفريق الاعلامي السعودي من روحه وجهده، ونفخ فيها من دمه المهني حتى ارتفعت كيانًا صحفيًا يحترمه الجميع.
كان يغيب عن بيته في سبيلها، ويتوارى خلف إنجازاته بينما يتصدّى بكل شجاعة للحروب الخفية التي استهدفته، والتكتلات التي حاولت النيل من مشروعه. لكن الأزمات في حياة "أبو نواف" لم تكن نهاية، بل بداية لهمة متجددة، وإصرار يعيد تعريف الصبر والانتصار.
ولأن العظماء لا يصنعون أنفسهم فقط، بل يُصنع على أيديهم آخرون، فقد تتلمذ عدد من الصحفيين والإعلاميين على يديه، وكان لهم الموجه والمعلم، وأنا أحدهم. لا يمكن الحديث عن التجربة الصحفية الحديثة دون ذكر صحيفة "التحلية"، التي كانت من بنات أفكاره، ومن معالم عطائه المتسلسل.
فيا أبا نواف، إن محبتك في قلوب قرائك وزملائك لم تُمنح صدفة، بل كُتبت بمداد الإخلاص والعطاء، ونسجت من سنين التعب والأمل. فهنيئًا لك هذا الإنجاز النادر، وهنيئًا للصحافة بك، ودمت رمزًا للإبداع والعطاء في زمن يفتقر للرموز.