المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 12 يوليو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

لا تيأس إذا رجعت خطوة للوراء

ليست كل خطوة إلى الخلف هزيمة، وليست كل خسارة تعني أنك أضعف. فأحيانًا، التراجع في وقته هو القرار الأكثر نضجًا، والأكثر ذكاءً. فالتراجع قرار لا يصدر عن عجز أو خوف، بل عن وعي داخلي صلب يقول لك هذا الطريق لا يصلح لك. والتوقف هنا لا يعني أنك خاسر، بل أنك عرفت متى تحمي نفسك، وهذا ما لا يُدركه كثيرون.
فالذين يعرفون متى يتراجعون، لا يخسرون شيئًا جوهريًا، بل غالبًا يربحون أنفسهم. لأن كثيرًا من الانتصارات الظاهرة تُكلّفك من داخلك ما لا يظهر للناس من استنزاف صامت، وقلق متراكم، وتشوّه في الشعور، وفقدان لجزء نقي منك كان يستحق أن يبقى. فأن تصل إلى النهاية وقد تغيّرت للأسوأ فقط ليُقال إنك فُزت، ليس مكسبًا حقيقيًا، بل خسارة لا تُعلن.
لأن الذكي ليس من يربح دائمًا، بل من يعرف متى يربح ومتى يترك. لأن بعض الطرق تحتاج إلى عناد، وبعضها الآخر تحتاج إلى شجاعة الانسحاب.
فالشخص الواعي لا يُكمل لمجرد الإكمال، ولا يُقاتل فقط لأنه بدأ. بل يتوقف حين يشعر أن الاستمرار بات عبئًا على روحه.
فالذين يُجيدون التراجع في الوقت المناسب لا يفعلون ذلك خضوعًا، بل لأنهم اختبروا نتائج الإصرار الخاطئ من قبل. فهم رأوا كم كلّفهم التمسك بشيء لم يكن يستحق، وعرفوا أن الخسارة التي تختارها بيدك… أكرم من الانتصار الذي يأتي على حساب نفسك.
فالبقاء في موقف لمجرد أنك استثمرت فيه كثيرًا، وهم. لأن من الطبيعي ألا تُكمل علاقة فاشلة لأنك أعطيت فيها وقتًا، ولا تُحارب معركة خاسرة لأنك بدأت.
فالعاقل يعرف أن الشيء الذي لا يعود عليه بالسلام لا يستحق كل هذا الإصرار، حتى لو كان الطريق قد بدأ منذ زمن. فالانسحاب ليس تخليًا، بل إعادة توجيه للذات.
فمن يتمسك بكل شيء لا ينتصر دائمًا، بل يُرهق نفسه على مدار الطريق. أما الذي يعرف حدوده وحدود ما يحتمله، فيحافظ على نفسه من الانكسار قبل أن يحدث، ويرحل دون ضجيج حين تُصبح الراحة أهم من البقاء.
أما من يتراجع وهو في كامل وعيه، فهو يُعلن أنه لا يقبل أن يدفع راحته، وهدوئه، وثباته، في سبيل إثبات شيء لا يستحق.
والمؤلم أن كثيرين لا يفهمون هذا إلا متأخرًا، بعد أن تكون الخسائر قد تراكَمت، وبعد أن تكون أنفسهم قد تغيّرت من كثرة التحمّل.
لذلك فمن يعرفون كيف يتوقفون، ومتى يحمون أنفسهم من الغرق، هم في الحقيقة لا يهربون… بل ينجون.
فأن تُدير ظهرك لشيء تحبه أحيانًا أصعب من أن تُمسك به. لكن بعض التخلّي حياة، وبعض الانسحاب نجاة، وبعض الخسائر كانت نِعَمًا لم نفهمها إلا بعد أن خرجنا من ساحة الإصرار.
ولذلك، فلا تُقاوم من أجل أن تبدو قويًا… تراجع في الوقت الذي تشعر فيه أنك تدافع عن شيء لم يعد في صالحك، وتذكّر دائمًا أن الذكي ليس من يفوز بأي ثمن. بل من يعرف متى يترك، فيربح ما هو أهم من الفوز نفسه.
 0  0  4.9K