المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الإثنين 7 يوليو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

وتُعيد لو وتُعيد كان

المرّة الأولى لا تُوجع وحدها. بل تبدأ الوجعة الحقيقية بعد أن يمر كل شيء… ونبقى نحن، نعيد الحدث في رؤوسنا وكأنه ما زال يحدث الآن. كأننا لا نكتفي بما عِشناه، فنُعِيده بتفاصيل أكثر، وبتأويلات تُتعب أكثر من الموقف نفسه.
فلا أحد ينجو من الذاكرة حين تُقرّر أن تُعيد عليك المشهد القديم، بصوت داخلي لا يهدأ. ستجدها تعيد الحوار، والنظرة، والصمت، وحتى اللحظة التي تمنّيت فيها أن تقول شيئًا، ولم تفعل.
تُعيد "لو"، وتُعيد "كان المفروض"، وتُعيد نفسك لنفسك… وكأنك تحاكمها من جديد كل يوم. والمشكلة ليست فيما حدث، بل فيما لم نتركه يمر.
وفي التفاصيل التي لم تُقال، في الجُمل التي سُكِت عنها، في المواقف التي لم نجد لها ردًا في وقتها… فبقيت داخلنا، لا تموت لنُحاور بها أنفسنا بعد منتصف الليل، ونُفسّرها من كل زاوية، ثم نغضب لأننا لم نُحسن التعامل معها وقتها.
فكل حدث نمر به، مهما كان قاسيًا، يمكن تجاوزه لو عبر كما هو. لكننا لا نتركه يعبر. بل نُعيده، ونُكثّفه، ونملأه بأسئلة لا إجابة لها، فنُثقله أكثر مما كان، ونحمّل أنفسنا ذنبًا لا تستحقه.
والحقيقة أننا لا نعيش الماضي لمرة واحدة... نحن نعيشه مجددًا كل يوم بأيدينا.
فنحن نجلس في حاضر جديد، ونستهلكه بذكريات قديمة. فنؤجل بذلك الشفاء، ونعلّق راحتنا، ونربط سعادتنا بجملة ننتظر أن تُقال، أو اعتذار لم يأتِ، أو لحظة تمنّينا لو تعاملنا معها بشكل مختلف.
لكن لا شيء يعود. وكلما أعدنا تشغيله في أذهاننا، لم نُصحّحه، بل فقط مددنا زمن الألم. لأن العقل لا يُجيد التعديل على الأحداث، هو فقط يُعيد بثّها.
ولهذا، لا نُنهك لأننا تألمنا، بل لأننا لا نُفلت ما آلَمَنا. فنحن نُمسك به ونظل معلقين به في حين أن ما تستحقه فعلاً، هو لحظة صمت داخلي تُغلق فيها الصفحة وهي
أن تقنع نفسك بأن ما حدث قد حدث، وقد مرّ. وأنك لن تعيش تحت عبء الأمس الذي لن يتغيّر، مهما أعدتُ تأمّله.
فلا أحد ينجو من الألم، لكن الناجين الحقيقيين هم من قرّروا أن لا يُعيدوا نفس المشهد مرارًا.
لأن النجاة لا تعني النسيان، بل أن تُوقف العرض الداخلي الذي لا يُضيف سوى تعب جديد لما قد انتهى.
 0  0  2.1K