المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 22 يونيو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

لك مساحتك ولي كياني

أجمل ما في العلاقات الإنسانية هو أن نجد أنفسنا في الشخص الآخر... أن نشارك الضحكة، ونكمل الجملة، ونتفق على الأشياء الصغيرة قبل الكبيرة. وهذا القرب يمنح العلاقة دفئًا وسهولة، لكن الخطأ يبدأ عندما نعتقد أن التقارب يُلغي الحاجة إلى حدود واضحة.
ففكرة وجود نقاط مشتركة لا تعني أن الحدود سقطت، بل يعني أننا نملك أرضية مشتركة... لكننا ما زلنا شخصين مختلفين. فاحترام هذه المساحة الفاصلة بيننا ليس برودًا، ولا انسحابًا، بل هو وعي ناضج بأن العلاقات لا تنمو إذا ذابت فيها الهويات.
وذلك لأن الخطوط الحمراء ليست جدرانًا، بل إشارات مرورية تنظم الطريق. فلا تمنعنا من الحب والاحترام، بل تمنع الحب من أن يتحول إلى فوضى. ولا تُقلل من القرب، بل تحميه. فمن يعرف حدوده، يعرف كيف يُحب دون أن يُؤذي، وكيف يقترب دون أن يخترق.
فالعلاقات التي لا تُصان بالوضوح، مهما بدت متناغمة في البدايات، تنهار عند أول ضغط. لأن كل طرف فيها ظن أن التفاهم يغني عن الاحترام، وأن الحب يُغني عن الحذر، وأن التشابه يلغي الحاجة إلى التوازن.
وفي الحقيقة، أكثر العلاقات نضجًا ليست تلك التي يتفق أصحابها على كل شيء، بل التي يعرف كل طرف فيها متى يصمت، ومتى يتكلم، ومتى ينسحب خطوة ليترك للآخر مساحته. وبالتأكيد هذا ليس ضعفًا في الرابط، بل دليل على صلابته.
فالنقاط المشتركة تصنع ألفة، أما الخطوط الحمراء فتصنع أمانًا. ونحن لا نحتاج إلى علاقة دافئة فقط، بل إلى علاقة آمنة، وبمعنى آخر علاقة نستطيع أن نكون فيها على طبيعتنا، دون خوف من الاجتياح أو الذوبان وانعدام الحدود والفواصل.
والفارق الحقيقي بين العلاقات الصحية والعلاقات المرهقة، هو أن الأولى تُبنى على وضوح الحدود، بينما الثانية تعيش في وهم أن القرب وحده يكفي.
 0  0  2.8K