المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الثلاثاء 17 يونيو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

انتبه... لا تكسر منبهك!

الإنسان العاقل يدرك أن الحقائق، مهما كانت مؤلمة، تظل حقائق. فلا يقتل الرسول لأنه يحمل إليه رسالة مزعجة، ولا يكسر ساعة المنبه لأنها أيقظته من نومه. فهذا هو دورها، وهذا هو واجبها. وكما يستجيب النائم لصوت المنبه، يجب أن يستجيب العاقل لمن ينبهه إلى أخطائه، لا بالرفض والاستياء، بل بالشكر والامتنان. وذلك، لأن الحكمة ليست في سماع ما يرضي النفس، بل في استقبال ما يصلحها، حتى لو كان صعبًا وثقيلًا على القلب.
ففي زمن أصبح النقد فيه مكروهًا، بات التطور الشخصي عملية شاقة. فالناس تهرب من اللوم، وترفض الاعتراف بالعيوب، وتحيط نفسها بعبارات الإطراء التي تغذي الأنا ولكنها لا تبني النفس. فقد قال ابن المقفع في هذا "إن أشد عيوب الإنسان إخفاء عيوبه عن نفسه". فمن لا يرى عيوبه لن يسعى لإصلاحها، ومن لا يقبل النقد سيظل حبيس أوهامه، يراوح مكانه وهو يظن أنه يسير.
فالدواء قد يكون مرًا، لكن العاقل يتناوله لأن نفعه أكبر من مرارته، والسكر قد يكون لذيذًا، لكن الواعي يتركه إن كان يضر صحته. كذلك هو النقد، قد يكون قاسيًا، لكنه ضروري، ومواجهته تحتاج إلى شجاعة أكبر من تلك التي يتطلبها سماع المديح. فليس كل من نصحك عدو، وليس كل من جاملك صديق. فالعاقل يميز بين من يريد إحراجه ومن يريد إنقاذه، ويميز بين من ينتقده حبًا له، ومن ينتقده لمجرد التقليل من شأنه. فلا يستثقل صوت الحق، ولا ينفر ممن يدلّه على عيوبه، لأنه يدرك أن التجاهل ليس حلاً، بل هروب من مواجهة الذات.
والمشكلة ليست فقط في رفض النقد، بل في نفور الناس ممن يقدمه. فتجد المرء يبتعد عن الصديق الذي يصارحه، ويتقرب ممن يمدحه بلا سبب، كما يهرب ممن يشير إلى نقاط ضعفه، ويبحث عمّن يجعله يشعر بأنه كامل لا يحتاج إلى تغيير. لكن التغيير الحقيقي لا يأتي من الأوهام، ولا من تجنب المرآة، بل من الجرأة على مواجهة النفس بصدق، ومن الاستعداد للاعتراف بالخطأ والعمل على تصحيحه، فتزكية النفس لا تتحقق في بيئة تخشى النقد، والنمو الشخصي لا يولد من الإعجاب المستمر بالذات. فمن يريد أن يتطور عليه أن يبحث عن الحقيقة، لا عن الراحة، وأن يقبل النصح، لا أن يفر منه، وأن يكون ممتنًا لمن يساعده على أن يكون أفضل، لا أن يعاديه. فالإنسان العاقل، كما لا يكسر ساعة المنبه، لا يقطع صلة بمن أيقظه من غفلته.
 0  0  2.7K