المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 15 يونيو 2025
المستشار خميس السعدي
المستشار خميس السعدي

الإنسان والتقنية: حين تُصادق الرؤية على الواقع


في ربيع 2025، انطلقتُ في رحلة كتابية بعنوان "الإنسان والتقنية". لم تكن هذه السلسلة مجرد محاولة لفهم الذكاء الاصطناعي كأداة تقنية، بل كانت رؤية إنسانية عميقة تساءلت عن معنى وجودنا حين تواجهنا آلة ذكية تحمل في طياتها صورًا معقدة من الإدراك، السلطة، والإنتاج. لم يكن هدفي أن أعرف إلى أين تتجه التقنية، بل كيف نفهم أنفسنا عندما نُجبر على مواجهة مرآة ذكية تعكس ملامحنا بأكثر دقة مما نريد.
في ذلك الوقت، تجاوزت الأسئلة التي طرحتها على مدار المقالات مجرد التطورات التقنية. تساءلت: هل نُدرك الثمن الحقيقي للمجاملة الرقمية؟ هل نُحاكم مسؤولية خوارزميات تُقرر مصيرنا؟ وهل التقنية تُعيد تشكيل الوعي الإنساني أم تُفقده هويته؟ هذه الأسئلة لم تكن استباقية فقط، بل كانت محاولة لرسم حدود جديدة في العلاقة بين الإنسان والآلة.
رؤى سبقت عصرها
اليوم، وبعد تصريحات سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لإحدى أكبر شركات الذكاء الاصطناعي، والتي أكد فيها أن هذه النماذج الذكية بدأت بالفعل تتجاوز قدرات البشر في العديد من المهام المعقدة، أجد أن تلك الأسئلة التي طرحتها قد وجدت صداها ومصادقتها في أروقة صناعة الذكاء الاصطناعي نفسها. هذه المصادقة من قلب الصناعة ليست مجرد إقرار بما سبق، بل هي دعوة مُلحة لإعادة التفكير في مسارنا.
في مقالي "حين يصبح الذكاء الاصطناعي مرآة للذات"، لم أركز على التقنية بوصفها أداة فقط، بل على انعكاس الذات البشرية داخلها. تحذيري من "هلاوس الآلة" (AI hallucinations) كان تحذيرًا وجوديًا، حيث يكشف الذكاء الاصطناعي عن جوانب مظلمة في وعينا، ويُعيد تشكيل صورتنا الذاتية بلا رتوش. لم يكن هذا مجرد تحذير تقني، بل تنبيه عميق حول ما نستعيره من الآلة دون مساءلة نقدية.
وفي مقالي "هل يجب أن نتوقف عن قول شكرًا للذكاء الاصطناعي؟" طرحت سؤالًا عن كلفة المجاملة الرقمية التي نُعامل بها الآلة، سواء على المستوى السلوكي أو البيئي. اليوم، المؤسسات التقنية الكبرى تعترف أن هذه التفاعلات الرقمية البسيطة تتسبب في استهلاك طاقة هائلة، الأمر الذي يجعل المجاملات الرقمية ليست رفاهية أخلاقية فحسب، بل قضية استدامة تتطلب منا وعيًا جديدًا.
أما في مقال "من يملك القرار؟ الإنسان أم الخوارزمية؟" فقد ركزت على إعادة تعريف المسؤولية في عصر يتسلم فيه الذكاء الاصطناعي زمام الحكم، وتطرح تساؤلات حقيقية حول فقدان السيطرة البشرية على قرارات لم تعد تُفهم ببساطة. تصريحات ألتمان التي تُشير إلى أننا ربما تجاوزنا نقطة السيطرة على هذه النماذج، ليست مفاجأة، بل تأكيد لمخاوف قديمة كانت مدار تحليلاتي ونقاشاتي.
الوعي الإنساني: الرهان الحقيقي
لم تكن كتاباتي عن الذكاء الاصطناعي فحسب، بل كانت عن الإنسان في مواجهته مع مرآة التقنية. تصريحات ألتمان اليوم تُشكّل خاتم المصادقة على أسئلة لم تكن مجرد نظريات تقنية، بل رؤى إنسانية نقدية مبنية على مراقبة مُتعمقة وتحليل استشرافي.
إن الوعي الإنساني هو الرهان الحقيقي في زمن تتسارع فيه قدرات التقنية بلا هوادة. هذا الوعي وحده يستطيع أن يُحدد ما إذا كانت العلاقة مع الذكاء الاصطناعي تعاونًا واعيًا، تسليمًا أعمى، أو صراعًا لا نهاية له بين الإنسان والآلة.
السؤال الأخلاقي: مسؤوليتنا اليومية
في خضم هذا التطور المذهل، تبقى الأسئلة الأخلاقية في صميم كل نقاش حول الذكاء الاصطناعي. من يتحمل مسؤولية القرار عندما يُترك للآلة؟ كيف نُحافظ على حرية الإنسان في زمن تتدخل فيه الخوارزميات في أصغر تفاصيل حياتنا؟ كيف نُوازن بين الكفاءة التقنية والعدالة الإنسانية؟ هذه الأسئلة ليست نظرية، بل واقع نعيشه اليوم ويتطلب أجوبة فورية ومدروسة.
ختامًا: رؤية الإنسان في زمن الآلة
في النهاية، ما كتبته ويُكتب اليوم ليس تباهيًا بتطابق الرؤية مع الواقع، بل تأكيد أن الرؤية الإنسانية التي تُصاغ بوعي نقدي عميق، لا تحتاج إلى زمن طويل لتثبت صدقها.

هي فقط تحتاج إلى من يُصغي لها بتمعّن قبل أن يُذهل بصدى الآلة.
العلاقة بين الإنسان والتقنية ليست فقط تحديًا تقنيًا، بل هي اختبار لوعينا، لقيمنا، ولقدرتنا على الحفاظ على إنسانيتنا في زمن الآلة.
بواسطة : المستشار خميس السعدي
 0  0  1.6K