المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 12 يونيو 2025
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر
طارق محمود نواب _ رئيس مجلس الادارة - كاتب ومحرر

اللُطف غلاب

اللطفُ قيمةٌ سامية، وهو من أبهى صفات الإنسان، وأرقى ما يمكن أن يتحلى به الإنسان في تعامله مع الآخرين. فالشخص اللطيف لا يُربك الأرواح، ولا يُشوّش القلوب، بل يُشعر من حوله بالأمان، ويترك أثرًا طيبًا لا يُنسى. لكن هذا النُبل، لا يعني السذاجة، ولا يعني أن يكون الإنسان أرضًا لكل من أراد أن يمر.
ففي هذا العالم، هناك أشخاص لا يفهمون إلا لغة الحزم، ولا يرتدعون إلا إذا اصطدموا بحدٍ صلب، ولا يغيرهم الوقت، ولا تردعهم الأخلاق. فعندما تُعاملهم بلطف، يظنون أنك ضعيف، وحينما تصبر على تجاوزاتهم، يرون سكوتك إذنًا بمزيد من التجاوز. وعندما تنتظر منهم تحسنًا، وتتوسم فيهم وعيًا، وتقنع نفسك بأن الأيام ستعلّمهم، لا توهم نفسك بالتغيير... فهم لا يتغيرون، ولا يعتذرون، ولا يعرفون معنى أن يُراجع الإنسان ذاته.
فاللطف لا يتعارض مع الحزم، بل الحزم أحيانًا هو الوجه الآخر من الرحمة. فحين ترفع صوتك بعد طول صبر، وحين تُوقف أحدهم عند حده بعد سيل من التجاوزات، لا يعني ذلك أنك فقدت أخلاقك، بل يعني أنك قررت أخيرًا أن تحميها، لأنك بذلك تُعيد تعريف المسافة بينك وبين من يعتقد أن الصمت ضعف، وأن الأدب انكسار،إن فبعض المواقف لا يصلح معها إلا الصوت العالي، وهذا ليس لأنك تريده، ولكن لأنك جُبرت عليه. فبعض النفوس لا تفهم الرسائل الناعمة، ولا تهتم بالتلميحات، ولا تحترم المساحات ما لم تُحطها بجدارٍ من الوضوح. فالعلاقات، أيًّا كان نوعها، لا تُبنى فقط على النية الطيبة، بل على الحدود الواضحة. واللطف، كي لا يُساء فهمه، حيث يجب أن يكون مصحوبًا بوضوحٍ في المبدأ، وثباتٍ في الموقف.
فليس من الضعف أن تكون لطيفًا، ولا من القوة أن تكون قاسيًا، بل الحكمة أن تعرف متى تكون هذا، ومتى تلجأ إلى ذاك. وأن تُبقي يدك ممدودة، لكن تعرف متى تسحبها، وأن تتحدث بلين، لكن تعرف متى ترفع الصوت. فالاعتدال هو الأصل، والوسطية هي ما يصنع التوازن. لأن كل شيء زاد عن حده، انقلب إلى ضدّه.
فكما أن الكرامة لا تتعارض مع الرحمة، فالحزم لا يُلغي اللطف. لكن الإنسان يحتاج أحيانًا أن يُلوّح بكلمة حاسمة ليُعلن رفضه، حتى يفهم من أمامه أن احترامك له لا يعني أنك ستقبل بكل شيء، وأن هدوءك لا يعني أنه يمكنه المضيّ في طريق لا يحترمك فيه.
فلا يكفي اللطف وحده في عالمٍ لا يفهم إلا الحزم. ولكي يبقى اللطف عزيزًا،حيث يجب أن يُحمى بحدٍ من الهيبة، وشيءٍ من الحزم، وصفعةٍ أخلاقية حين يلزم الأمر.
 0  0  2.9K