التسامح الموسمي.. ظاهرة تحتاج إلى مراجعة:
في كل عام، ومع قدوم المواسم الدينية العظيمة مثل شهر رمضان، أو عيد الفطر، أو موسم الحج، تظهر على السطح ظاهرة باتت مألوفة في مجتمعاتنا، تتمثل في قيام بعض الأشخاص بحملات “موسمية” تحت شعارات مثل: “تسامحوا”، “اعفُ عن من أساء إليك”، “ليسامح بعضنا بعضًا”.
وهي بلا شك دعوات جميلة وقيَم نبيلة في ظاهرها، لكن الإشكال يبدأ حينما تكون هذه التصرفات موسمية وظاهرية فقط، لا تُغيّر في جوهر النفس ولا تُصوّب السلوك بعد انقضاء المناسبة.
لا يختلف اثنان على أن التسامح، وطلب السماح، وردّ المظالم، وحُسن الظن، كلها من أخلاق الإسلام الأصيلة، التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم في كل زمان ومكان.
لكن أن تُمارَس هذه الأخلاق فقط في وقتٍ معين ثم يُعاد التنصل منها بعد انتهائه، فهو أمر يدعو للقلق ويحتاج إلى وقفة تأمل.
فما قيمة أن يطلب الإنسان السماح ممن أساء إليهم، ثم يعود إلى الغيبة، والنميمة، والتجريح، وظلم الناس، وحسدهم، والسعي بينهم بالنقل والتشويه؟ أليس في هذا تناقض واضح بين القول والعمل؟!
التديُّن الحقيقي ليس شعائر موسمية أو كلمات تُقال، بل هو تحول داخلي، يُثمر في السلوك، ويظهر في التعامل، ويستمر على مدار العام.
الله تعالى لا يُريد من العباد موسمية المشاعر، بل يريد منهم ثبات الطبع، ونقاء القلب، واستقامة السلوك.
قال الله تعالى:
“إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” [الحجرات: 13]
والتقوى لا تأتي في موسم وتغيب في آخر، بل هي درب حياة.
من يسعى إلى التسامح بصدق، لا يحتاج إلى موسم ليُعلن ذلك، بل يُمارسه في حياته اليومية، لأنه مبدأ نابع من الداخل.
أما من يجعله مجرد حملة مؤقتة، فهو في الحقيقة يُمارس نوعًا من الرياء الاجتماعي أو التخفيف النفسي المؤقت، دون نية صادقة للإصلاح.
ليتنا نستثمر هذه المواسم المباركة لا في “تجميل المظهر” فحسب، بل في تصحيح الجوهر، وفي مراجعة النفس، وردّ المظالم، وتطهير القلب من الأحقاد، والنية في الاستمرار على ذلك حتى بعد انتهاء المواسم. فالدين ليس لحظة انفعال.. بل استقامة مستمرة.