المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الأحد 24 نوفمبر 2024

عَتَبَة الدّار

د.محمد سعيد الثبيتي*

لعتبة الدّار قصّة معروفة، وأحاديث مسطورة، بطلها أبوالأنبياء سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وشخوصها ابنه إسماعيل -عليه السلام - وزوجاه . ومجمل هذه القصّة : أنّ إبراهيم -عليه السلام - أتى من الشام إلى مكة ؛ لزيارة ابنه إسماعيل -عليهما السلام - ولم يجده ووجد زوجه فسألها عن حالهم، فقالت: في كرب وضنك وشدّة . فقال : إذا أتى زوجك، فأقرئه منيّ السلام ، وقولي له غيّر عتبة دارك ! فلما جاء إسماعيل -عليه السلام -اخبرته الخبر فقال : هذا أبي وأمرني أن اطلقك فالحقي بأهلك. ثم تزوج إسماعيل -عليه السلام- امرأة أخرى ، وجاء إبراهيم -عليه السلام- لزيارته -أيضا- مرة أخرى ، فلم يجده ووجد زوجه ، وسألها عن حالهم، فقالت : بخير حال ، وحمدت الله ، وأثنت عليه . فقال لها: أقرئي زوجك منَي السلام ، وقولي له ثبّت عتبة دارك! فلما جاء إسماعيل -عليه السلام - اخبرته الخبر ، فقال : هذا أبي ، وأمرني أن امسكك . إنّ عتبة الدار في هذه القصّة رمز للمرأة ، والتغيير والتثبيت رمز للطلاق والإمساك.. ولو نظرنا إلى القصة في ضوء العلة والمعلول ؛ لتجاوز هذا الرمز المرأة: طلاقا أو إمساكا ، إلىالإنسان ذاته ، وعلاقته بربه :شاكرا أو كافرا ؛ ذلك أنّ الإنسان مجبول على حبّ الدنيا ، وحبّ المال ؛ ففي الحديث عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ( سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا ، وَلاَ يَمْلاأ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ ) وهذا المارد الطاغي في طبع الإنسان لا يقيّده إلا تلك الفطرة الإيمانية ، في النظر إلى الحياة ، وهي درجة لا يدركها إلّا من أُوتي حظًا من معرفة الله ، وجَدّا من القناعة بما قسم الله . وإنّ المتأمل حال مجتمعنا -إلّا من رحم الله - ليخشى أنّ يغيّر الله علينا (عتبة دارنا) ! فقد ظهرت في المجتمع بواكيرالتمرد تلوح ، وبدأ ريح نتنها يفوح ؛ فصنف منه: إنّ سألته عن حاله كان مقاله : أنا في شدّة ، وكرب ! فهو ناقم غير راضٍ عن عمله ،ومؤسسته ، وكلّ شيء حوله . فالمعلم -مثلا- لا يعجبه التعليم ،والموظف لا تعجبه الوظيفة ، والطالب لا تعجبه الدّراسة والمدرسة ، والجامعيّ لا تعجبه الجامعة، والعسكريّ لا تعجبه العسكريّة ...وهلم جرا. وصنف آخر غرّه الغَرور ، وأتى من الحال الفجور، أمِن النّقمة فتباهى بكفرالنّعمة ؛ فاستبدل الماء في غسل اليدين بدهن العود ، وظنّ ذلك من الجود ! وقس على ذلك ما يَجِدّ في كلّ يوم من تجاوز الحدود ، وكأنّا في سباق مع وعد غير مكذوب! إنّ كفر النّعمة نذير شؤم ، وبداية هلاك؛ فقد قال الحق جلّ جلاله ،وتقدسة أسماؤه : ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ إننا بحاجة الآن وقبل فوات الآوان، أن نوطن أنفسنا، ونربي أبناءنا، وأجيالنا على شكر المُنعم ، وحفظ النِّعم ، وأن نحرر عقولنا من برمجة كاذبة خاطئة ، استقرت في العقول، فسال لعابها على كل لسان، دون وعيّ بمكن الخطر ، ومستصغر الشرر! وقد غفلناعن هدي نبينا محمّد -صلى الله عليه وسلم- والاسترشاد به في النظر إلى أمور دنيانا إلى من هو دوننا ؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه: ‏(‏انظروا إلى من هو أسفل منكم‏.‏ ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألّا تَزْدروا نعمة الله عليكم‏) نسأل الله ألَّا نكون ممن يزدري نعمة الله ؛ فيغيّر الله عليه (عتبة الدار) بطلاقه من واحة النّعم، وإلحاقه بجحيم النّقم .

بواسطة :
 0  0  8.7K