بيوت الله… مساحة للطمأنينة لا موطنٌ للأذى والأنانية
في المسجد، تستقر الأرواح قبل الأجساد، وتسمو القلوب قبل الأيادي، حيث تجتمع النفوس على الطهارة والوحدة. إنه موطن للسكون، حيث يُغسل الهم، وتُروى القلوب بذكر الله.
لكن المؤلم أن تتحوّل بعض بيوت الله إلى ساحة أذى، لا يُرى في الجدران، بل يُشعر في القلوب ويتردد على الألسن.
"هذا مكاني!"
"هذا مصحفي، لا تلمسه!"
"أنت لست من أهل المسجد، لا تستحق الصف الأول!"
عباراتٌ تتردد وكأن بيوت الله أملاكٌ خاصة، وكأن الركوع فيها مشروط بصكوك الدخول، تُقيّد السكينة وتمنع القرب من الله لمن لم يملك حق الجلوس في مقدمة الصفوف.
أين نحن من قوله تعالى؟
"وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا" (الجن: 18)
المساجد لله، ليست للمظاهر المتكررة، ولا للأصوات المرتفعة، ولا للمصاحف المحجوزة!
إن أذية المسجد لا تقتصر على الصوت العالي، بل تمتد إلى:
- نظراتٍ تُقصي من يبحث عن الطمأنينة.
- ألفاظٍ تُحرج من يسعى للخضوع بين يدي الله.
- احتكارٍ يُؤذي من أراد مكانًا ليخشع فيه.
كيف يُعقل أن يأتي رجلٌ يبحث عن السكينة، فيُطرد منها بسلوكٍ متدين؟
وهل يجوز أن يُحرم إنسانٌ من لحظة خشوع، لأن أحدهم اعتاد على مكانٍ معين؟
فيا من اعتدت على مكانك، تذكّر:
أن أحبّ الناس إلى الله أنفعهم لعباده، وليس أسبقهم إلى السجادة.
لا ترفع صوتك على من جاء يرفع قلبه، ولا تحجز مكانًا كأنك تحجز مقعدًا في الدنيا.
فبيوت الله للعباد… لا للعناوين.