التقاعد: بداية جديدة لا نهاية مطاف
كثير من الناس ينظرون إلى التقاعد على أنه نهاية، بل وربما هبوط تدريجي نحو العزلة أو التوقف عن الإنجاز، غير أن هذه النظرة قاصرة ومجحفة بحق مرحلة يمكن أن تكون من أخصب فترات العمر وأكثرها عطاء.
فالتقاعد – في حقيقته – ليس نهاية الطريق، بل هو بداية لرحلة جديدة تستند إلى خبرات سنوات طويلة من العمل والمواقف والتجارب.
من خلال مانلاحظ أن البعض يستمر في أداء مهامه دون حافز أو رغبة حقيقية، لا لشيء إلا خشية اتخاذ قرار التقاعد.
يظن البعض أن البقاء في العمل – رغم الفتور أو الإنهاك – أفضل من المجهول.
لكن الواقع يُثبت أن كثيرًا ممن تقاعدوا باختيارهم، وبتوقيت مدروس، نجحوا في فتح آفاق جديدة لأنفسهم: إما في القطاع الخاص، أو العمل الحر، أو التطوع، أو حتى الاستمتاع بالحياة بشكل أكثر اتزانًا.
إن تأجيل القرار خوفًا من “الفراغ” ليس حلًا، بل قد يؤدي إلى استنزاف الطاقات وتشويه الصورة الذهنية الجميلة التي قد بناها الموظف طيلة خدمته.
أما القرار الشجاع، فهو في أن يعرف الإنسان متى يترجل، وكيف يختار التوقيت الذي يضمن له انتقالًا سلسًا من مرحلة العطاء المؤسسي إلى مرحلة العطاء المجتمعي أو الشخصي.
وفي هذا السياق، ينبغي أن تعزز المؤسسات ثقافة “الانتقال” لا “النهاية”، وأن تشجع موظفيها على التفكير في التقاعد كفرصة، لا كمأزق. كما ينبغي على الموظف أن يدرك أن قيمة تجربته لا تتوقف بانتهاء علاقته الوظيفية، بل تبدأ في التمدد خارج أسوار المؤسسة، نحو مجالات أرحب وأكثر تأثيرًا.
التقاعد لا يعني التوقف، بل هو انتقال من شكل من أشكال الإنجاز إلى آخر.
ومن لم يخطط لتقاعده كما خطط لمسيرته، فاته أن يصنع لنفسه فصلاً جديدًا يليق به وبما قدّمه.
خبير تربوي وقيادي سابق في الإدارة العامة للتعليم بالمنطقة الشرقية