المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 24 مايو 2025
نور أل قيس -سفيرة غرب
نور أل قيس -سفيرة غرب

نايفة… وصيّة أمي الأخيرة



لم تكن نايفة أختي فحسب، بل كانت قلبي النابض، وروحي التي تمشي على الأرض.

رافقت أمي في مرضها، باتت إلى جوارها في المستشفى، مسحت دموعها بكفّها، ودفنت قلقها في أعماقها، حتى لا يشعر أحد بثقل ما تمرّ به.

كانت تردّد دائمًا:
"أنا بخير… ما دامت أمي بخير"

وحين أغمضت أمي عينيها للمرة الأخيرة، لم تترك لنا إلا وصيّة واحدة:
"انتبهوا على نايفة… فقلبها أضعف مما تظنّون"

لكن ما كانت تخشاه أمي حدث بالفعل…
فقد بدأت نايفة تشكو من ألم متكرّر في جسدها، لم يكن عرضًا عابرًا، بل كان بداية معركة قاسية مع المرض.

قال الطبيب الكلمة التي قصمت ظهورنا:
"إنه السرطان… من النوع الشرس."

لم تنهَر، لم تبكِ، بل ابتسمت بحزن ورضا، وقالت:
"سأقاوم… والحمد لله على الابتلاء"

دخلت في رحلة علاج طويلة؛ جلسات كيميائية موجعة، غثيان لا يرحم، وجسد يتآكل يومًا بعد يوم.

تساقط شعرها، ذبل وجهها، وخفّ وزنها، لكنها كانت تنهض في كل مرة، تقاوم من أجل من تحب، وتهمس بصوت متعب:
"أريد أن أبقى… من أجل أبنائي."

لكن الجسد خذلها.
معدتها توقّفت عن تقبّل الطعام والعلاج، وبدأ المرض ينتشر بسرعة، حتى بات قلبها الضعيف غير قادر على تحمّل جلسة علاج أخرى، ولم تعد قادرة على مواصلة الكيماوي.

ثم اجتمع بنا الأطباء، وقالوا بوضوح موجِع:
“المرض انتشر في أنحاء الجسد… ولا يوجد علاج. كل ما نستطيع فعله هو تخفيف الألم.”

تجمّدت الكلمات في فمي…
كيف أواجه هذه الحقيقة؟
رأيت زوجها ينهار كطفلٍ ضائع،
وكيف لي أن أشرح لأبنائها أن أمهم قد لا تبقى حين يشتد بهم الحنين لحضنها الدافئ؟

سألت الأطباء:
"أين أحدث العلاجات؟ ألا يوجد دواء يستأصل هذا الداء من جذوره؟"
لكن الصمت كان الجواب… لم أسمع ما يُطمئن القلب.

لم أجد ملاذًا إلا بين يدي الله، بكيت بحرقة، وقلت:
"اللهم إن كان في عمرها بقيّة فاشفها، وإن كان الرحيل أرحم، فخذها إليك بلطفك، يا أرحم الراحمين"

الآن، نايفة ترقد بهدوء في سريرها الأبيض…
جسدها المنهك لا يحتمل، وعيونها نصف مفتوحة، كأنها تبحث عن رحمة… عن وجه أمي وأبي -رحمهما الله-… عن دعاءٍ يمدّها بقليل من القوّة.

اللهم خفّف عن نايفة، وطيّب جسدها المنهك، واشفها شفاءً لا يُغادر سقمًا.
اللهم أنزل على قلبها سكينة، وعلى جسدها عافية، وكن معها بلطفك ورحمتك يا الله.

اللهم بدّل وجعها راحة، وخوفها طمأنينة، وارزقنا الصبر والرضا حتى نراها تبتسم بيننا من جديد، بكامل عافيتها، يا حي يا قيّوم.
 0  0  6.2K