المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 28 يونيو 2025
المستشار الأسري: أحمد العمودي
المستشار الأسري: أحمد العمودي
المستشار الأسري: أحمد العمودي

الغربة الاجتماعية في ظل الهواتف الذكية: تجمع جسدي وعزلة نفسية


في عصرنا الحالي تتلاشى الضحكات في صمت الشاشات، حيث أصبحت الأجهزة الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال، مما أدى إلى ظهور نوع جديد من الغربة الاجتماعية، فبدلاً من أن يكون التجمع فرصة للتواصل واللعب، والتعارف، واكتساب خبرات ،أصبح الأطفال يجتمعون جسديًا ولكنهم يعيشون في عوالم افتراضية منفصلة، فالمفترض أن هذه الأجهزة تعمل على سهولة الوصول إلى المعلومات والتواصل مع الآخرين، ولكنها أدت إلى ظاهرة جديدة تُعرف بـ"الغربة الاجتماعية الرقمية"، حيث نجد الأطفال يجتمعون جسديًا لكنهم في عزلة نفسية، منشغلين بشاشاتهم بدلاً من التفاعل المباشر، وهذا الأمر يطرح تساؤلات مهمة حول تأثير الهواتف الذكية على العلاقات الاجتماعية خصوصًا بين الأطفال، وماذا يحدث إذا تم منعهم منها؟ وكيف ستكون علاقاتهم في قادم الأيام؟.
مفهوم الغربة الاجتماعية الرقمية:
الغربة الاجتماعية لا تقتصر فقط بالبعد المكاني، بل تشمل أيضًا الانفصال العاطفي والنفسي (العزلة النفسية) والشعور بالانفصال عن المحيط الاجتماعي، ورغم أن الأطفال يتجمعون جسديًا في المكان نفسه، ورغن أنهم يتواجدون الأطفال جنبًا إلى جنب، إلا أن الهواتف الذكية تحوّل انتباههم إلى عوالم افتراضية، مما يؤدي إلى ضعف التواصل الفعلي بينهم، وجعلهم يعيشون في عوالم افتراضية منفصلة عن واقعهم الاجتماعي، حيث تحل الرسائل النصية محل الأحاديث، وتُستبدل التفاعلات المباشرة بالتفاعلات الرقمية كالتعبير عن الضحك بالإيموجي(الوجه الضاحك أو غيره)، لذا يمكن تعريف الغربة الرقمية بأنها حالة من العزلة في قلب التجمع، حيث يجلس الأطفال جنبًا إلى جنب، ولكن عيونهم مثبتة على شاشات هواتفهم، وأصابعهم تتنقل بسرعة بين التطبيقات والألعاب، فيتبادلون الرسائل والصور، ولكنهم لا يتبادلون الضحكات والنظرات الفعلية، والأسوء من ذلك والطامة الكبرى أن يتم ذلك في غياب تام من الوالدين ودون رقابةً منهم.
أسباب الغربة الاجتماعية بسبب الهواتف الذكية

1. الاندماج في العالم الافتراضي: حيث يقضي الأطفال ساعات طويلة في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاهدة الفيديوهات، ولعب الألعاب الإلكترونية، مما يقلل من فرص التواصل المباشر مع الآخرين.
2. انخفاض مهارات التواصل(الحوار والتفاعل): إن الاعتماد على الرسائل النصية والتفاعل الرقمي يقلل الوقت الذي يقضيه الأطفال في التفاعل وجهًا لوجه، كما يقلل من قدرة الأطفال على التعبير عن مشاعرهم بشكل مباشر، وهذا يؤدي إلى ضعف مهارات الحديث والاستماع الفعّال مما يؤثر سلبًا على مهاراتهم الاجتماعية؛ ويجعلهم يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، وفهم تعابير وجوه الآخرين، وحل النزاعات بشكل بناء.

3. الإدمان الرقمي: يؤدي الاستخدام المفرط للهواتف إلى حالة من الاعتماد النفسي عليها، مما يجعل من الصعب على الأطفال المشاركة في الأنشطة الجماعية حيث أن استخدام شاشات التلفاز والجوالات بشكل مفرط يسبب إدمانًا يجعل من الصعب على الأطفال الاستمتاع بالأنشطة الجماعية.
4. استبدال الواقع بالعالم الافتراضي: يجد بعض الأطفال في الهواتف ملاذًا من الواقع، حيث يوفر لهم العالم الرقمي بيئة يشعرون فيها بالقبول والتقدير، على حساب تفاعلهم الحقيقي مع المحيطين بهم، ففي عالم افتراضي بديل يفضل الأطفال قضاء وقتهم في عوالم افتراضية مليئة بالإثارة والتحدي، حيث يشعرون بالانتماء والتقدير؛ مما ينسيهم العالم الحقيقي، ويفقدون الاهتمام بالأنشطة والهوايات البدنية والحركية التي كانت تستهويهم.

مقارنة بين الأطفال مع الهواتف وبدونها:
إذا نظرنا إلى الأطفال في حالتين، الأولى وهم يستخدمون الهواتف، والثانية بعد منعهم منها، ففي الحالة الأولى يستخدم الأطفال الهواتف بكثافة، والثانية حيث يُمنعون منها، سنلاحظ فرقًا واضحًا:
سنجد فرقًا واضحًا. في الحالة الأولى، يكون التواصل والتفاعل محدودًا، حيث أن الأطفال متواجدين جسديًا في نفس المكان ولكنه مقتصر على مشاركة بعض الصور أو الضحك على مقطع الفيديو.
أما في الحالة الثانية، فنجدهم يلعبون معًا(اللعب الجماعي)، فيبتكرون ألعابًا جماعية، ويتحدثون ويضحكون ويتفاعلون بشكل مباشر؛ فهذه التفاعلات تُقوّي علاقاتهم مع بعضهم البعض، وتنمّي مهاراتهم الاجتماعية وتعزز الروابط بينهم، مما يقلل من الشعور بالغربة والانفصال.

ماذا لو اختفت أو مُنعت الهواتف الذكية عن الأطفال؟
تخيل لو أن الهواتف الذكية اختفت فجأة من حياة الأطفال، كيف سيكون المشهد؟ وماذا سيحدث؟
عودة اللعب الجماعي: سيعود الأطفال إلى الأنشطة التقليدية مثل الجري، والقفز، وابتكار الألعاب، مما يعيد روح التفاعل المباشر بينهم، كما ستعود الضحكات الصاخبة والأصوات المرتفعة إلى ملء الأجواء. أليس كذلك؟

تعزيز وتحسن مهارات التواصل: سيتعلم الأطفال كيفية التعبير عن مشاعرهم ويتعلمون كيفية التعبير عن أنفسهم واحتياجاتهم بوضوح، والاستماع للآخرين، والتفاعل بشكل أعمق مع محيطهم وأسرهم.
استكشاف العالم الحقيقي: بدلاً من قضاء الوقت أمام الشاشات، سيتوجه الأطفال إلى استكشاف الطبيعة والعالم الحقيقي بجماله وتنوعه، ويتعلمون عن الحيوانات والنباتات، ويشاركون في الأنشطة الثقافية والرياضية، وبهذا ينمو التفاعل مع البيئة ومع من حولهم؛ مما يطور مهاراتهم ومعارفهم(العلم والمعرفة) مما يعزز من نموهم الفكري والاجتماعي. تعزيز مهارات التواصل: سيضطر الأطفال إلى التواصل وجهًا لوجه، سيتبادلون الأحاديث والنكات، بوضوح. سيتعلمون كيفية حل النزاعات بشكل سلمي، وبناء علاقات صداقة قوية.


الحل في التوازن
ليس المطلوب هو منع الهواتف الذكية بشكل كامل، بل تحقيق توازن بين استخدامها والتفاعل الاجتماعي الواقعي، فيمكن تحقيق ذلك من خلال:
1- وضع حدود زمنية للاستخدام: تخصيص أوقات محددة لاستخدام الأجهزة الذكية، وتحديد فترات خالية منها والحزم في هذا الإجراء مطلب هام.
2- تشجيع الأنشطة البديلة: تنظيم ألعاب جماعية، أنشطة رياضية، ورحلات ميدانية لتعزيز التواصل الواقعي.
3- تعزيز الحوار الأسري: يجب على الأهل تشجيع الأطفال على التفاعل والتواصل الفعلي، وتعليمهم أهمية التفاعل الاجتماعي المباشر.
4- استخدام التكنولوجيا بشكل متوازن: استثمار الأجهزة الذكية في التعلم والتثقيف، لكن دون أن تعيق التفاعل الاجتماعي المباشر.
5- موازنة بين العالمين: يجب أن نشجع الأطفال على قضاء وقت كاف في اللعب والتفاعل وجهًا لوجه، وأن نحد من الوقت الذي يقضونه على الشاشات.
خاتمة
الهواتف الذكية، رغم فوائدها، قد تتحول إلى سلاح ذو حدين إذا لم يتم استخدامها بحكمة، فالإدمان على الشاشات يؤدي إلى عزلة اجتماعية رغم القرب الجسدي، بينما يساهم تقليل الاعتماد عليها في تعزيز التفاعل الإنساني، وتعزيز التواصل الحي وتقوية العلاقات الاجتماعية، وتحسين المهارات الحياتية للأطفال. لذا، فإن تحقيق التوازن بين العالم الرقمي والعالم الواقعي هو المفتاح لضمان بيئة اجتماعية صحية ومتزنة للأجيال القادمة، فالتكنولوجيا وُجدت لخدمتنا، لا لعزلنا عن بعضنا البعض.
بواسطة : المستشار الأسري: أحمد العمودي
 0  0  24.4K