في زحمة المقارنة… لا تنسَ ما تملك
في زمن تتسارع فيه الأحلام، ويُقاس فيه النجاح بما في الجيوب لا بما في القلوب، يغيب عن كثيرين أن أعظم ما نملك قد لا يُرى ولا يُعد.
نحن في غمرة المقارنة نغفل عن كنوزنا الحقيقية: عقل ناضج، قلب سليم، خُلق رفيع، وفطنة تضيء لنا الطريق حين تضل العقول. كل هذه ليست أشياء تُشترى أو تُطلب، بل هبات خالدة تستحق الحمد كل صباح.
كم من إنسان يظن أن ما عنده لا يكفي، بينما غيره يتمنى لو يملك مجرد القليل مما لديه؛ راحة البال، راحة الضمير، وأحيانًا مجرد القدرة على النوم دون قلق.
قال الشاعر:
وإذا ما كنتَ ذا قلبٍ قنوعٍ
فأنتَ ومالكُ الدنيا سواءُ
وقال آخر:
ولستُ أرى السعادةَ جمعَ مالٍ
ولكنّ التقيَّ هو السعيدُ
الحياة لا تعني أن تملك كل شيء، بل أن ترى الجمال فيما تملكه فعلاً. أن تستيقظ وتشعر بالامتنان لعقلك، لصحتك، لأهلك، لما لم تفقده. أن تحمد الله على ما أعطاك، لا أن تُشغِل قلبك بما لم يُكتب لك.
فليس الاكتفاء عجزًا، بل حكمة. وليس الرضا ضعفًا، بل عزٌّ داخلي لا تهزه المتغيرات. ومن تعلّم أن يفرح بما بين يديه، صار أغنى من كل الطامعين بما لا يُدرك.
وفي نهاية المطاف، لعل أجمل ما نملكه في هذه الحياة هو قدرتنا على أن نفتح أعيننا على ما بين أيدينا لا على ما فاتنا. أن نبتسم لما قسمه الله لنا، ونمضي بثقة ورضا، مدركين أن البركة لا تكون في الكثرة، بل في الطمأنينة. فاحمد الله سرًا وجهراً، وامشِ مطمئنًا… فما كتبه الله لك، هو الخير كله وإن لم تره بعد.