المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 7 يونيو 2025
د. بندر الحنيشي
د. بندر الحنيشي

عن د. بندر الحنيشي

دكتوراه في الفقه المقارن، عضو محكمة لندن الدولية، مستشار شرعي وقانون وتحكيم دولي.

“أوكلما اشتهيتَ اشتريت؟… فاعتبروا يا أُولي الألباب”



في عالمٍ تتسارع فيه الرغبات، ويتكاثر فيه العَرض على حساب الحاجة، ينساق الكثيرون خلف شهوة الاقتناء دون تمعّن، حتى يغدو الاستهلاك أسلوب حياة، لا ضرورة وجود.
من هنا تأتي هذه المقالة لتدقّ ناقوس الوعي، وتذكّر بأن التعلّق بما يفنى قد يكون أول أبواب الخسارة.

فعندما استأجرتُ ذلك المسكن، توهّمت أنني سأمكث فيه ما تبقّى من حياتي. كان الإحساس بالاستقرار يخدعني، فأخذت أشتري ما أحب، لا ما أحتاج، أثّثت المكان وكأنني أعِدُّه للخلود، وازدحمت الغرف والأدراج بأشياء ربما لم يكن لها من ضرورة إلا لحظة اقتنائها.
لم أكن وحدي في هذا، بل كثيرون يُؤسِرهم وهم البقاء، فيكدّسون الكماليات ويلوّنون جدران الأيام بزينة لا تدوم.

لكن الأيام، كما عهدناها، لا تأتمن جانبها. تبدّلت الأحوال فجأة، وأصبح الانتقال ضرورة لا جدال فيها.
آنذاك شعرت بثقل كل ما اقتنيت، وندمت على كل ما شغلني عن الحقيقة: أن الدنيا لا ثبات فيها.
تذكرت حينها مقولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “أوكلما اشتهيتَ اشتريتَ؟” هي ليست مجرد حكمة، بل قانون حياة. فمن تأمّلها أدرك أن العاقل لا يُسرف، ولا يُلهيه الزائل عن الباقي. الترف الحقيقي ليس في اقتناء الأشياء، بل في التحرر منها، وفي التوازن بين الرغبة والحاجة.

الدنيا زائلة، وصدق القائل: “العاقل من اتّعظ بغيره”. فما أكثر من رحلوا، وتركوا وراءهم ما كدّسوه دون أن ينالوا منه إلا الحسرة.
ليكن ما نملكه وسيلة، لا غاية، وليكن اختيارنا دائمًا لما يبقى أثره لا شكله.

ختامًا: في زمن يُقاس فيه النجاح بما نملك، نحتاج أن نُعيد تعريف الغنى، لا بكثرة الموجود، بل بقناعة المفقود.
"فاعتبروا يا أولي الألباب"
 0  0  9.2K