المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
السبت 10 مايو 2025
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

سر السعادة

السعادة مفهوم معقد لا يرتبط دائمًا بالنجاح كما يعتقد الكثيرون. فمن الشائع أن يُنظر إلى النجاح على أنه المفتاح الرئيسي للسعادة، لكن الواقع أن أكثر الناس نجاحًا ليسوا بالضرورة الأسعد، فالأشخاص الأكثر سعادة هم أولئك الذين يعيشون بروح العطاء، والذين يخصصون جزءًا من حياتهم لمساعدة الآخرين. فالسعادة الحقيقية لا تنبع من تراكم الثروات أو تحقيق الأهداف الفردية فقط، بل من الإحساس بأن وجودنا له معنى، وأننا قادرون على إحداث فرق في حياة من حولنا.
إن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين. فعندما نساعد غيرنا، فإننا لا نقدم لهم خدمة فحسب، بل نفتح لأنفسنا أبوابًا جديدة من الرضا النفسي والراحة الداخلية. فالشعور بالسعادة ليس وليد الإنجاز الشخصي فقط، بل يتغذى على تلك اللحظات التي نرى فيها تأثير أفعالنا الإيجابية على الآخرين. وعندما يكون هدفنا هو مساعدة الآخرين على تحقيق ما يريدون، نجد أن الحياة تكافئنا بطرق غير متوقعة، فتمنحنا فرصًا جديدة، وتفتح لنا أبوابًا لم نكن لنتخيل وجودها، وتحيطنا بأشخاص يبادلوننا الحب والاحترام.
إن العطاء ليس مجرد فعل نبيل، بل هو استثمار حقيقي في الحياة. فحين يساعد الإنسان غيره، فإنه يخلق دائرة إيجابية من الامتنان والتقدير، وهذه الدائرة تعود إليه بأشكال مختلفة، سواء في صورة دعم من الآخرين عندما يحتاج إليهم، أو في صورة فرص تأتيه دون أن يسعى إليها مباشرة. ولعل أحد أعظم القوانين التي تحكم الكون هو قانون العطاء، الذي يقوم على مبدأ أن ما تمنحه يعود إليك بطريقة أو بأخرى، وغالبًا بأضعاف ما قدمته. فعندما تساعد الآخرين على تحقيق أهدافهم، فإنك بطريقة غير مباشرة تضع نفسك على طريق النجاح، لأنك تصبح جزءًا من شبكة علاقات قوية مبنية على الثقة والتعاون، مما يسهل عليك الوصول إلى أهدافك الخاصة.
فلا يمكن إنكار أن النجاح المادي والمهني يلعب دورًا مهمًا في حياة الإنسان، لكنه ليس العامل الوحيد الذي يحدد مدى سعادته. فكم من أشخاص وصلوا إلى قمة النجاح، ولكنهم لم يجدوا فيه السعادة التي كانوا يتوقعونها؟ وكم من أشخاص لم يمتلكوا ثروات هائلة أو إنجازات عظيمة، ومع ذلك يعيشون بسعادة ورضا يفوقان أولئك الذين يملكون كل شيء ان السر يكمن في فهم أن النجاح الحقيقي ليس مجرد تحقيق الأهداف الفردية، بل هو القدرة على جعل الطريق إلى هذه الأهداف أكثر سهولة ليس فقط لأنفسنا، بل لمن حولنا أيضًا. وعندما يدرك الإنسان أن قيمة الحياة لا تُقاس فقط بما يحققه لنفسه، بل أيضًا بما يقدمه للآخرين، فإنه يصل إلى مستوى أعمق من السعادة، حيث يصبح العطاء جزءًا من أسلوب حياته، وليس مجرد فعل مؤقت.
فالحياة ليست سباقًا فرديًا يسعى فيه كل شخص للوصول إلى القمة بمفرده، بل هي تجربة جماعية قائمة على الترابط والتفاعل. وكلما ساهم الإنسان في تحسين حياة الآخرين، شعر بأنه ليس وحيدًا في هذا العالم، بل هو جزء من منظومة أكبر تمنحه الدعم والتقدير في المقابل فالسعادة الحقيقية تأتي من الإحساس بأنك قادر على ترك أثر إيجابي، مهما كان بسيطًا، في حياة من حولك. وعندما يكون هذا هو الدافع الأساسي وراء أفعالك،حيث ستجد أن الحياة تعطيك أكثر مما كنت تتوقع، وستحصل على أي شيء تريده ليس لأنك ركزت على تحقيقه فقط، بل لأنك اخترت أن تكون جزءًا من رحلة نجاح الآخرين، وبهذا تحقق أعظم نجاح يمكن للإنسان أن يصل إليه.
 0  0  2.8K