أنا والقائد القادم — بين جيل التجربة وجيل الخوارزمية
أنا من جيل تعلّم القيادة من ملامح الوجه، من النظرة التي تسبق القرار، من صوت يهزّ القاعة ويشعل الحماس.. جيل عاش التواصل الحقيقي، وارتبطت القيم الوظيفية لديه بالحضور، بالتدرّج، وبالقدوة التي تُلهم لا التي تُدير من خلف الشاشات.
واليوم، أنظر من موقعي إلى جيل جديد، جيل زد، لم يطلب يومًا إذنًا لاستخدام التقنية، بل وُلد وهي في يده. يقرأ القائد من شاشة، ويتلقى التعليمات من خوارزمية، ويُقيم العمل بجودة التجربة الرقمية لا بدفء العلاقات الإنسانية.
ولذلك، أصبح الفهم الجديد للقيادة يتطلب تجاوز الفروقات الجيلية إلى نماذج عمل تدمج القيم بالخوارزميات.
هنا تبدأ فجوة القيادة بالاتساع، فالسلوك الوظيفي لم يعد تقليديًا ولا يمكن أن يُدار بالأدوات التي نشأنا عليها.
القيادة لم تعد امتيازًا، بل أصبحت مسؤولية تحتاج إلى إعادة تعريف، خاصة في ظل بروز الذكاء الاصطناعي كمحرك استراتيجي في المؤسسات الحديثة.
جيل زد لا يتحفز بالخطب التقليدية ولا ينتظر التشجيع المباشر، إنهم يتفاعلون مع المنصات، يُقيّمون الأداء بلغة البيانات، ويتخذون قراراتهم اعتمادًا على تجربة المستخدم لا على توجيهات المكتب التنفيذي.
في هذا المشهد، تظهر مسؤولية القائد: كيف يصنع توازنًا بين البيانات والحدس؟ بين المعايير الرقمية والدفء الإنساني؟ كيف يقود فريقًا نصفه بشري ونصفه برمجي؟
رؤية السعودية 2030 التقطت هذه التحولات بدقة، فوضعت التقنية في قلب التنمية، وربطت الذكاء الاصطناعي بالطاقة، والحوكمة، والتعليم، والسلوك المؤسسي.
القيادة اليوم، وفق هذا الإطار الوطني، ليست فقط اتخاذ قرار، بل قراءة متغيرة للزمن، واستشعار لمستقبل يفرض علينا أن نتحدث بلغتين: لغة الإنسان، ولغة الآلة.
أنا من جيل اعتقد أن الهاتف المحمول هو آخر الابتكارات، فإذا بي أكتب هذا المقال لأشارك القيادة مع آلة لا تنام.
وفي هذا التفاعل، لا بد أن ندرك: القائد القادم ليس من يتفوق على التقنية، بل من يعرف متى يدعها تقوده، ومتى يعيدها إلى مكانها الصحيح: أداة تعزز، لا تستبدل.