المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 2 مايو 2025
المستشار خميس السعدي
المستشار خميس السعدي

رحلة بين الذات والضياع: سعود الثبيتي والشغف


في لحظة تأمل بين الذات والضياع، ينكشف المشهد الإعلامي كصراع بين جوهر الفكرة وضجيج التحولات، حيث يفقد الإعلام شغفه شيئًا فشيئًا وسط موجة من السرعة والمنافسة غير المتكافئة.
المقال الأخير لسعود الثبيتي - فارس الحرف في بلاط صاحبة الجلالة - لم يكن مجرد استعراض لهذه الظاهرة، بل كان شهادة على أزمة أعمق، أزمة تتجلى في فقدان الهوية، في البحث عن الصوت الضائع وسط زحام المحتوى الرقمي. لم يعد الإعلام ساحة للفكر والتأثير، بل أصبح متاهة من المعلومات المتراكمة بلا اتجاه، ورحلة لا تهتدي إلى جوهرها الحقيقي.
كان الصحفي يومًا صوتًا يحمل أمانة الحقيقة، يكتب بمداد التجربة، ويمارس مهنته بشغف لم يكن مجرد رغبة، بل مسؤولية أخلاقية تجاه مجتمعه. لكن اليوم، نجد أنفسنا أمام مرحلة مختلفة، حيث يتوارى العمق أمام لغة الأرقام، وتتحول الصحافة إلى مجرد أداة، تفقد اتصالها بالحقيقة شيئًا فشيئًا، وتستبدل البحث الجاد بالمحتوى الذي يستجيب لديناميكية الاستهلاك السريع.
ومما يزيد من تعقيد المشهد، بروز فئة تجيد الالتفاف حول مركز الضوء، تحاول أن تحكم قبضتها على المساحات الإعلامية دون أن تستند إلى إرث مهني، تتقمص أدوار المؤثرين دون أن تحمل معها قيمة التأثير الحقيقي.
لم يعد التميّز في الصحافة يُقاس بعمق الفكرة، بل بمدى القدرة على انتزاع مساحة في المشهد المكتظ، ولو على حساب المصداقية أو الرسالة.
السؤال الذي يطرحه الواقع الحالي ليس عن زوال الإعلام، بل عن تحوله إلى كيان جديد. هل فقد الصحفي دوره؟ أم أنه يعيش مرحلة إعادة تعريف؟ هل يمكن أن نجد في هذه الفوضى فرصة لصياغة رؤية تتناسب مع العصر، دون أن تنحني لمتطلباته؟
في هذا الزمن، جيل الألفية كان قد نشأ على يقين أن الإعلام مسؤولية، أن الكلمة تصنع التحولات، وأن الصحافة ليست مجرد مهنة بل رسالة تحمل قيمًا. لكن الجيل الجديد، المتصل بالعالم عبر شاشاته، يرى الإعلام كبيانات متداولة، كأداة تستجيب لمتطلبات العصر الرقمي أكثر مما تحمل روح الفكرة.
ما تحدث عنه سعود الثبيتي في مقاله الأخير هو انعكاس لهذا التشظي الإعلامي. الشغف لم يتراجع كظاهرة فردية، بل كحالة عامة تعكس أزمة أكبر، حيث فقد الإعلام روحه، وتحولت المهنة من صانع تأثير إلى ناقل متكرر لما هو قائم. ليس الإعلام مجرد انعكاس للعصر، بل هو أحد أدوات تشكيله، وإذا كان هذا التحول يبدو كفقدان للبوصلة، فإن إدراكه يمنحنا فرصة للبحث عن مسار جديد.
رؤية السعودية 2030 ليست مجرد خطة اقتصادية، بل مشروع يعيد صياغة الفكر والتوجهات، حيث يمكن للإعلام أن يكون جزءًا من هذا التحول، ليس كمجرد تابع، بل كقوة قادرة على أن تستعيد جوهرها ضمن معايير العصر. إن من يعتقد أن الصحافة انتهت هو من لم يدرك أن كل تحول يحمل في طياته فرصة لإعادة البناء.
عزيزي سعود، هذه ليست لحظة انكسار، بل لحظة تحول، حيث يمكن للإعلام أن يستعيد جوهره ليس بتكرار الماضي، بل بإعادة تعريف نفسه بما يحافظ على جوهره ويواكب تحديات العصر.
إن أزمة الشغف الإعلامي ليست نهاية، بل بداية لإعادة اكتشاف الحقيقة في زمن يضعها على المحك، وإذا كان الإعلام اليوم ضائعًا، فمن يملك القدرة على استعادته هم الذين يدركون أن المهنة ليست مجرد محتوى، بل مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع.
المستقبل لن يُصنع عشوائيًا، بل سيحدده من يملك القدرة على رؤية الإعلام ليس كأداة لنقل الأحداث، بل كوسيلة لصناعة الوعي، وكقوة فكرية لا تفقد هويتها مهما تعاقبت الأزمان.
بواسطة : المستشار خميس السعدي
 0  0  868