المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الجمعة 2 مايو 2025
المهندس/ علي السليم
المهندس/ علي السليم
المهندس/ علي السليم

خيل وصورة وفلتر: ابنتي تصهل على السرج



في عصر تتشابك فيه الهويات بين ما نريده فعلاً وما نعرضه على الملأ، تبرز تساؤلات حادة حول صدق الشغف، وعمق التجربة، ومتى تتحوّل الهواية من بناءٍ للذات إلى واجهة استهلاكية ناعمة.

هذه الحكاية بدأت بجملة رددتها ابنتي في فِينة وأخرى:
"أحب ركوب الخيل، وأريد تعلمه."
قالتها بثقة، بل بلحن يُشبه الإعلان عن انتماء قبلي إلى الفروسية العربية، وكأنها وُلدت في مضارب عنترة.
لكنني – كأب يتأمل أكثر مما يُصفّق – أدركت أن هذا الشغف قد لا يتجاوز خطوتين فوق السرج، تلتقط بهما صورة مع فلتر سناب، ثم تنتهي الرحلة حيث بدأت: عند الشاشة.

الفروسية ليست فلترًا

ركوب الخيل ليس حيلة تسويقية على وسائل التواصل، ولا "لوكًا" مؤقتًا لرفع معدل المشاهدات.
الفروسية ميراث حضاري، ونُبل أخلاقي، ومسار تراكمي في بناء القوة، والهدوء، والثقة بالنفس.

وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة."
فهل كل من ارتدى السترة وركب السرج، بات فارسًا؟
وهل كل من لامس لجام الحصان، حمل ميراث الفروسية في دمه؟

حين تصبح الهواية مشهدًا ترفيهيًا

مع ازدياد انتشار مرابط الخيول ومراكز التدريب الترفيهي، أصبحت الفروسية موضة موسمية في بعض الدوائر، ومشهدًا استهلاكيًا في فئات أخرى.
وبات من السهل أن نرى من "يُصهل" بصوت الهاتف أكثر من صوت الحصان.

السؤال المؤلم: هل هؤلاء الفتيات والفتيان عشاق فروسية؟ أم عُشّاق حضور رقمي؟
الحقيقة أن البعض صادق في شغفه، ينفق الوقت والجهد والعرق، لكن البعض الآخر يركب الحصان ليُظهر لا ليتمرّس، يلتقط صورة لا ليكسب قيمة.

من هو الفارس الحقيقي؟

الفارس لا يُقاس بمقدار إعجاب المتابعين، بل بمقدار الصبر على أول سقطة.
ماذا لو تدحرجت ابنتي على الأرض كما تتدحرج ورقة في مهب ريح؟
هل ستنهض؟ هل ستكمل؟ أم ستكتشف أن الحصان لم يكن حلمًا، بل مشهدًا مصنوعًا للعرض؟
السقوط هنا ليس عيبًا، بل الفرصة الذهبية لاختبار صدق النية، وعمق الرغبة، وجوهر الذات.

الأب لا يُصفّق دائمًا… بل يُهذّب

كأب، لم أُسارع إلى الرفض ولا الاندفاع، بل تأملت.
هل ما تقوله ابنتي هو بداية مسار؟ أم مجرد رغبة أنيقة تلفت الانتباه؟
وهنا يكون دور الأب الواعي: أن يمنح التجربة، دون أن يمنح التزييف. أن يُربّي الصدق، لا أن يُطارد رضا اللحظة.

بين الفروسية والترف… حدود دقيقة

في هذا الزمن، تتحوّل الرياضات النبيلة إلى ديكورات اجتماعية ناعمة.
ومع أن مراكز الفروسية مفتوحة للجميع، إلا أن الصدق لا يُمنح مع الاشتراك، بل يُصنع في القلب.

نحن لا نُعيب الفروسية، بل نُطالب بإعادتها إلى مقامها: ساحة تهذيب لا استعراض، ميدان رجولة لا ترف.
هي تصهل على السرج… وأنا أصمت في الظل
هي اليوم بين إصرارٍ وحنينٍ وونينٍ…
تريد أن تلامس مجدًا ما، وتختبر قوتها.
وأنا – على الضفة الأخرى – بين دعاءٍ صامت، وخوفٍ لا يُقال، ورجاءٍ بألا تكون واحدة من أولئك الفارسات بالفلتر، الساقطات مع أول خطوة بلا عزيمة.


وماذا بعد؟

هذا هو السؤال الحقيقي…
ليس لها فقط، بل لكل أب، ولكل فتاة، ولكل مجتمع:
هل نركب الحلم لأننا نُريده، أم لأننا نُريد أن نُرى ونحن نركبه؟

الفروسية ليست في أن تمتطي حصانًا… بل في أن تمتلك النفس التي لا تهتز إن سقطت.


بواسطة : المهندس/ علي السليم
 0  0  3.5K