المؤسس

رأسلنا

المبوبة

الخصوصية

عـن غـــــرب

فريق التحرير

  • ×
الخميس 1 مايو 2025
طارق محمود نواب _ سفير غرب
طارق محمود نواب _ سفير غرب

خبثاء النوايا

الشخص ذو الوجهين هو أحد أكثر الشخصيات خداعًا وإرباكًا في الحياة. فهو يتقن فن التلون، ويلبس قناع الود والاحترام في حضورك، ويفيض بعبارات الثناء، ويجعلك تشعر وكأنك شخص استثنائي يستحق كل التقدير. فهو يتحدث عن ميزاتك وكأنها درر نادرة، ويشعرك بأنك قدوة يُحتذى بها، وربما يبالغ في دعمه لك ليحفزك لاتخاذ خطوات معينة، ويشجعك على قرارات كنت مترددًا بشأنها. لكن ما إن تدير ظهرك، حتى يسقط القناع، ويكشف وجهه الحقيقي، ليتحول المديح إلى انتقاد، والثناء إلى تشويه، ويتحول الشخص الذي كان يصفك بالمتميز إلى ناقد لاذع يَلُوك سيرتك بين الآخرين. والأسوأ من ذلك أنه قد يستخدم الأمور التي دعمك فيها سابقًا ليضعها موضع الانتقاد، فيصبح هو المحفز في العلن، والطاعن في الخفاء.
فهذا السلوك المزدوج لا ينبع من عبث، بل هو انعكاس لخلل داخلي عميق. فمثل هؤلاء الأشخاص غالبًا ما تحركهم مشاعر الحسد والغيرة، فلا يطيقون أن يروا نجاحًا لا يُنسب إليهم أو تقديرًا لا يلتف حولهم. فيحاولون في العلن التقرب ممن يتفوق عليهم ليشعروا بأنهم في دائرة الضوء، ثم في الخفاء يسعون إلى تشويه صورتهم لإطفاء وهجهم. وهناك من يكون دافعه ضعف الشخصية، فهو غير قادر على المواجهة الصريحة، فيخشى إبداء رأيه الحقيقي أمامك، لذا يتظاهر بالموافقة والمجاملة، لكنه يفرغ كل ما بداخله من انتقاد ولوم بمجرد أن يغيب عنك. ومنهم من يكون نفاقه مجرد وسيلة لتحقيق مصالحه، فهو لا يراك إلا أداة للوصول إلى هدفه، ولذلك يتملقك طالما أنك مفيد له، لكنه لا يتردد في الانقلاب عليك متى وجد ذلك في مصلحته. أما الأسوأ بينهم، فهو الذي يجمع بين كل هذه الدوافع، فيكون منافقًا، وضعيفًا، وحاسدًا في الوقت نفسه، فلا هدف له سوى الهدم من حيث لا تحتسب،
فالتعامل مع هذه الشخصية يتطلب وعيًا عاليًا وحذرًا شديدًا، فالكلمات المنمقة لا تعني صدق المشاعر، والمجاملات الزائدة قد تخفي وراءها نوايا خبيثة. لذا، من الضروري ألا نمنح ثقتنا بسهولة لمن يبالغ في الإطراء، وألا ننجرف خلف المشاعر التي يحاول بثها فينا. فالشخص الذي يمتدحك بلا تحفظ اليوم، قد يكون هو ذاته الذي يهاجمك بلا رحمة غدًا. ومن المهم أن نكون يقظين لأي تناقض بين ما يقوله لنا وما ينقله الآخرون عنه، فمن يتحدث عن غيرك بسوء أمامك، سيتحدث عنك بالسوء أمام غيرك.
لكن ماذا لو اكتشفنا أن شخصًا قريبًا منا يتصرف بهذه الطريقة؟ هنا لا يكون الحل في المواجهة المباشرة دائمًا، لأن هذه النوعية من الأشخاص بارعة في التلاعب بالكلام وقلب الطاولة عليك. بل الأفضل هو الاحتفاظ بمسافة آمنة، بحيث لا تمنحه أي فرصة لاستخدام كلماتك أو أفعالك ضدك. فلا تُشاركه أسرارك، ولا تجعله مطلعًا على ما قد يستغله ضدك في المستقبل. وبمرور الوقت، وستجد أن انسحابك التدريجي من دائرته سيحميك من تأثيره السلبي دون الحاجة إلى صدام مباشر.
وفي نهاية الأمر، من يحمل وجهين لا يستحق حتى نصف ثقة. فالحياة أقصر من أن تُستنزف في التعامل مع من يظهر الحب ويخفي الضغينة، ومن يتظاهر بالاهتمام بينما يحيك المؤامرات في الخفاء. فالصدق، مهما كان بسيطًا، يبقى أثمن من ألف كلمة زائفة، والعلاقات القائمة على الوضوح، مهما كانت قليلة، تظل أغنى وأصدق من تلك التي تقوم على التلون والخداع.
 0  0  2.4K