عندما تتحوّل قروبات التعليم إلى مناجم ذهب... من يحمي الطلاب؟
في ظل التوسع السريع للتعليم الرقمي، وتحوّله إلى خيار رئيسي للأسر والطلاب، ظهرت على السطح ظواهر مقلقة تستدعي وقفة نظامية. إحدى هذه القصص المتداولة، والتي بدأت بتسجيل طالب في دورة تدريبية عبر "تيليجرام"، تحوّلت إلى قضية رأي عام، والعهدة على الراوي.
قصة عابرة أم ناقوس خطر؟
في مقطع مرئي تم تداوله على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر أحد أولياء الأمور يتحدث عن تفاصيل مثيرة للدهشة، حين قال إن ابنه انضم إلى دورة إلكترونية خاصة باختبار القدرات، يشرف عليها معلم من إحدى الدول العربية، برسوم اشتراك بلغت 150 ريالًا سعوديًا فقط.
المفاجأة الكبرى – كما يروي ولي الأمر – كانت حين أخبره ابنه أن عدد الطلاب المشتركين في الدورة فاق 70 ألف طالب وطالبة، مما يعني أن المبلغ الإجمالي الذي حُصّل بلغ أكثر من 10,500,000 ريال سعودي، جميعها تُحوَّل إلى حساب شخصي خارج المملكة، دون رقابة أو ترخيص رسمي.
سوق تعليمي بلا تنظيم؟
ما حدث لا يعبّر عن حالة فردية، بل هو انعكاس لما يُعرف اليوم بـ"التعليم الموازي غير المنظّم"، حيث تنتشر المنصات والمجموعات التعليمية خارج إشراف الجهات الرسمية، ويقدم فيها الأفراد أنفسهم كـ"خبراء" و"مدرّبين"، ويتقاضون مقابل ذلك مبالغ ضخمة دون رخصة أو اعتماد.
في هذه السوق الرقمية المفتوحة:
لا ضمانات لمحتوى المادة التعليمية
لا تحقق من مؤهلات المعلّم
لا جهة مسؤولة في حال حدوث خلل
لا رقابة على التحويلات المالية
ولا حماية فعلية للطالب وولي أمره
جهود مشهودة... لكن التحدي مستمر
لا يمكن تجاهل ما تحقق من قفزات نوعية في تطوير منظومة التعليم داخل المملكة، في ظل رؤية السعودية 2030، التي جعلت من التعليم ركيزة رئيسية في بناء الإنسان وتمكينه معرفيًا ومهاريًا.
فقد أطلقت وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم والتدريب عددًا من المبادرات الرائدة، أبرزها:
تطوير المناهج والمعايير الوطنية
تحسين اختبارات القدرات والتحصيل الدراسي
إطلاق منصات تعليمية وطنية مثل "مدرستي" و"عين"
رفع كفاءة المعلمين واعتمادهم من جهات مختصة
إلا أن هذا التقدّم المؤسسي يتطلب مواجهة حاسمة مع التعليم غير الرسمي، لا سيما في ظل الأرقام المهولة التي يجري تداولها في الفضاء الرقمي.
الحماية تبدأ من التنظيم
القصة، وإن كانت "والعهدة على الراوي"، تطرح مجموعة من الأسئلة المشروعة:
1. من يراقب التعليم خارج المنصات المعتمدة؟
2. ما دور الجهات المختصة في ضبط هذه التجاوزات؟
3. هل هناك آلية لتتبع التحويلات المالية الضخمة المرتبطة بالدورات الافتراضية؟
4. متى نرى منصة وطنية موحدة تُجمع فيها الجهود وتُحكم بالضوابط؟
5. كيف نضمن أن التعليم الرقمي لا يتحوّل إلى باب خلفي للربح التجاري على حساب جودة المعرفة؟
واخيرًا: ما بين التطوير والرقابة... مصير أبنائنا
التعليم ليس مجرد خدمة تُباع وتُشترى، بل هو مشروع وطني، ومسؤولية مشتركة، واستثمار في عقول المستقبل.
وإذا كانت بعض "قروبات التعليم" تحوّلت إلى مناجم ذهب إلكترونية، فإن من واجبنا أن نسأل:
من يحمي الطالب؟ من يضمن المحتوى؟ ومن يراقب المعلم؟
والقصة كما بدأت… والعُهدة على الراوي،
لكن التحدي بات واضحًا، والمعالجة لم تعد تحتمل التأجيل.