القضاء والقدر:شماعة مسئول وكِمام مواطن!
لا شك أن القضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، وأن مشيئة الله نافذة ،وقدرته شاملة ،فما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ومن النصوص الدالة على هذا الأصل من الكتاب والسنة ؛ قوله تعالى ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ))
وقوله تعالى: { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مثقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }
ومن السنة ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله قال : « جاء سراقة بن مالك بن جعثم فقال : يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن ، فيم العمل اليوم ، أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، أم فيما نستقبل ؟ قال : " لا ، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير " ، قال : ففيم العمل ؟ قال :" اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله»
لذا نُهينا عن كل ما يوجب الهلاك من إفراط و تفريط في حق أنفسنا ، وفي حق رعيتنا ؛فقال تعالى(وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )
فلا خلاف على أن القضاء و القدر أصل من أصول الإيمان ؛ ولكن أن تبرمج عقول المسئولين على اتخاذه مطية لتبرير أخطائهم ، وأن تبرمج عقول الناس على قبول هذا التبرير، فهذه هي الانتكاسة الحقة ! في تقدير الأمور، وضياع الحقوق والواجبات، وتردي التطوير في حل الأزمات والكوارث ، تلك التي ينبغي أن تُدرس وتوضع لها الحلول والخطط الكفيلة بعلاجها قبل وقوعها ، والتي أيضا ينبغي أن يستفاد من مثيلاتها في أخذ التدابير وعدم تكرار تلك الكوارث ،والعمل دوما على نمطية التجديد والتطوير والمتابعة ، وما حدث في مشفى جازان شاهد على ذلك ؛ فالمكان الذي يفترض أن تكون فيه وسائل السلامة والأمن في أعلى درجاتها ! نرى النار تلتهم بعض أجزائه مخلفة وراءها عددا من الوفيات والإصابات ، وتاركة جرحا عميقا في نفوس الناس على مستقبل حياتهم ؛ولسان حال المرضى ، يقول :
كالمستجير من الرمضاء بالنار.
ثم إن ماحدث في هذا المشفى حدث ذاته قبل ذلك في إحدى مدارس التعليم ...
فأين العظة ؟وأين الاستفادة من الأخطاء ؟ وأين التغذية الراجعة في معالجة الكوارث ؟ وكأن كل مرفق من مرافق الوطن بمعزل- في مشاكله- عن المرافق الأخرى !
والسؤال هل سنشهد -معاذ الله - كارثة أخرى بحجم ونوع هذه الكارثة، أو تكرّرا آخر لكارثة أخرى في الموقع نفسه أو في موقع آخر، وحال لساننا يقول:
ما أشبه الليلة بالبارحة !
ثم نعود نكرر ذلك الشعار الذي اعتدنا على أن نعلق عليه أخطاءنا،والذي ألفناه ،وكأنه البلسم الشافي والدواء المعافي ؛ لحل كوارثنا ، (قضاء وقدر) متجاهلين أن المنطق والعقل وأمانة المسئولية توجب علينا الأخذ بالأسباب وأن نتعلم من الكوارث السابقة دروسا لا درسا واحدا في الحيطة والحذر، والتخطيط والتطوير،والأخذ بأسباب السلامة ؛ لعدم تتكرر هذه الكوارث في أيّ موقع آخر من الوطن في ظل دولة قدمت للمسئول كل سبل الدعم؛ لرفاهية المواطن والإرتقاء بالوطن .
وهل آن أنّ يدرك الجميع أن الوقاية خير من العلاج وأن كل راعٍ مسئول عن رعيته ؟ وأن كل فرد من أفراد الرعية له عقل وله لب لا يقبل البرمجة الخاطئة مهما كان مصدرها ! وأن نعي أن ( القضاء والقدر) حق قد يراد به باطل ؛ وذلك حين يصبح شماعة مسئول وكِمام مواطن!